*فادي السمردلي يكتب: ضبابية إدارة التمويل الحزبي بوابة الفشل التنظيمي والسياسي(٣٦/٢٦)*

*بقلم فادي زواد السمردلي* ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.(٣٦/٢٦)”*

ماذا يعني ضبابية إدارة التمويل الحزبي؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

تعتبر ضبابية الشفافية وغيابها في إدارة التمويل الحزبي من القضايا الحاسمة التي تؤثر بشكل عميق على مصداقية أي حزب سياسي ونزاهة عملياته فعندما يفتقر الحزب إلى الشفافية في جمع الأموال وإنفاقها، يصبح من الصعب مراقبة الأموال التي يتم الحصول عليها من مصادر مختلفة، وما إذا كانت هذه الأموال تُستخدم لتحقيق أهداف الحزب المشروعة أم لا وفي الحالات التي يتم فيها إخفاء مصادر التمويل أو عدم الكشف عن كيفية صرف هذه الأموال، تزداد احتمالية الفساد واستغلال الأموال بطرق تتناقض مع المبادئ الديمقراطية.

من أبرز مظاهر غياب الشفافية في التمويل الحزبي هو استغلال المال السياسي فبدلاً من توجيه الأموال لتمويل الأنشطة السياسية المشروعة التي تخدم الصالح العام، يتم تحويل هذه الأموال إلى وسائل لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية ضيقة وقد يُستخدم المال في شراء الولاءات السياسية داخل الحزب أو حتى بين الناخبين في المجتمع، مما يهدد نزاهة العملية السياسية برمتها وعادةً ما يتم توجيه هذه الأموال نحو دفع رشاوٍ انتخابية أو تمويل حملات انتخابية مشكوك فيها لا تعكس إرادة الشعب بقدر ما تعكس قدرة الحزب على استخدام المال لجذب الأصوات بطريقة غير أخلاقية.

في هذا السياق، يشكل غياب الشفافية خطراً كبيراً على ثقة الأعضاء والجمهور في الحزب فعندما يشعر الأفراد داخل الحزب أو المواطنون في المجتمع بأن الأموال تُستخدم بطرق غير واضحة أو مشكوك فيها، يبدأون في فقدان الثقة في قيادة الحزب وقدرته على تمثيل مصالحهم بصدق وهذا التآكل في الثقة لا يقتصر فقط على الأعضاء داخل الحزب، بل يمتد إلى الجمهور الذي يرى أن الحزب قد يضع مصالحه الخاصة قبل المصلحة الوطنية.وبالتالي، قد ينعكس ذلك على قدرة الحزب في جذب الدعم الشعبي والاحتفاظ به، مما يؤدي إلى ضعف دوره في الحياة السياسية.

علاوة على ذلك، يؤدي غياب الشفافية في إدارة التمويل الحزبي إلى تأثير القرارات الحزبية، بحيث تصبح هذه القرارات مرهونة بالمصالح المالية الخاصة التي تخدم الأفراد داخل الحزب بدلاً من تلبية الاحتياجات الحقيقية للمجتمع ففي ظل غياب الرقابة والمساءلة، قد تسود قرارات تخدم مصالح قوى مالية معينة داخل الحزب على حساب القضايا الوطنية الكبرى، مثل التعليم، الصحة، والعدالة الاجتماعية وبالتالي، يؤدي ذلك إلى سياسات متناقضة مع تطلعات المواطنين، وقد تخلق انقسامات داخل المجتمع وتؤدي إلى فشل الحزب في إحداث التغيير المنشود.

الأخطر من ذلك، هو أن غياب الشفافية قد يؤدي إلى ملاحقات قانونية وفي العديد من الدول، تُفرض قوانين صارمة على جمع الأموال الحزبية وصرفها، بما في ذلك قواعد حول مصادر التمويل وحجم الأموال المسموح بها واستخدامها.وإذا ثبت أن الحزب لم يلتزم بهذه القواعد، فقد يواجه عقوبات قانونية قد تتراوح بين فرض غرامات ضخمة أو حتى الحل الكامل للحزب فتلك الملاحقات القانونية تُضعف الحزب بشكل كبير، وقد تؤدي إلى تراجع شعبيته وفقدان التأثير السياسي له إضافة إلى ذلك، قد تؤدي هذه الملاحقات إلى نشر صورة سلبية عن الحزب بين الناخبين مما يساهم في تعزيز الشعور بعدم الثقة في النظام السياسي ككل.

من جانب آخر، يمكن أن يساهم غياب الشفافية في تفاقم الفساد السياسي، حيث يبدأ الأفراد داخل الحزب في استخدام منصاتهم السياسية لتحقيق مصالحهم المالية على حساب المواطنين وفي غياب نظام رقابي فعال، قد تصبح الموارد المالية محط نزاع بين الأجنحة المختلفة داخل الحزب، مما يؤدي إلى فساد داخلي قد يؤثر على قدرة الحزب على اتخاذ قرارات رشيدة ومبنية على مبادئ أخلاقية وهذا قد يؤدي إلى تراجع الحزب عن أهدافه الأصلية ويشوه رسالته السياسية.

وأخيراً، يتسبب غياب الشفافية في التمويل الحزبي في إضعاف الديمقراطية نفسها فالديمقراطية تعتمد على نزاهة الأحزاب السياسية في تمثيل إرادة الشعب وتحقيق مصالحه ولكن عندما تكون الأحزاب غير شفافة في إدارة تمويلاتها، فإن ذلك يشوه مفهوم التنافس السياسي ويجعل الانتخابات مجرد معركة مالية بدلاً من أن تكون اختبارًا حقيقيًا للأفكار والبرامج ويخلق هذا الوضع حالة من الإحباط السياسي بين المواطنين الذين يشعرون بأن أصواتهم لا تُحتسب بناءً على قيم وأيديولوجيات حقيقية، بل بناءً على مدى قوة المال والقدرة على التأثير.

قد يعجبك ايضا