جواسيسُ شرعيّون.. بأقلامٍ لا سلاحَ فيها!
بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي……..
في هذا الصباحٍ كنت أطالعُ القنوات الاخبارية ، فإذا بخبرٍ ينفث في القلب نارَ الغيظ، ويُدني إلى النفس شبحَ الأسى، حتى كأنّ الزمان قد عادَ بنا إلى عهدٍ لا يُؤمن فيه للجار، ولا يُطمأن فيه إلى الرفيق.
سمعتُ وشاهدت لقاء مع اعلامي لقناة الجزيرة وهو مدير مكتب الجزيرة بطهران ، و هو ليس صوتُ جنديٍّ في الميدان ، بل كان صوتَ رجلٍ يُقال عنه: “مراسلٌ إعلاميّ”، لا يحمل في يده بندقية، ولا في صدره وسامًا، ولكنّه كان أخطر على أوطان الناس من كلّ سلاحٍ، وأمضى من كلّ رمح.
قال ولا اعرف أن كان يدري أو لا يدري عن ما يقول—لقد قال : إنّ المنطقة الثالثة في طهران، التي نوى العدو قصفها وبعد التصريح قام العدو الصهيوني بقصفها ودمر بها المحطة الاعلامية الاخبارية الاقوى بايران ، وقال المراسل الاعلامي عن وصفها بأنها تحتوي على جسورًا حيوية ومهمة تربط ما بين شمال البلاد وجنوبها، ومعاهد عسكرية، ومساكن لعلية القوم وسادتهم ومعاهد تدريب عسكرية ومعاهد علمية بحثية ثمّ مضى يصفها وكأنّه يخطّ بيده خريطةً للعدو، ويُمهّد له الطريق، ويقول لهم : “ها هنا، إضربوا ولا تترددوا ولسوف توجعوا”.
أفهذا هو الإعلام؟ أم هؤلاء هم الجواسيس في ثياب المراسلين؟!
نعوذ بالله من أن نكون في زمن يكون فيه الناقلُ أخطرَ من الفاعل، والمُذيعُ فيها أعظمَ أثرًا من القائد.
لقد صدق من قال: “الحربُ أولها كلام، وآخرها خراب”. والإعلام، إن زلّ، كان سهمًا في صدر الوطن، وإن غوى، صار جسدًا في جسد العدوّ.
ولنعلم ونتعلم من اعدائنا حيث نرى العدوّ الصهيونيّ يمنع مراسليها من النطق، وتُحاصر أفواههم، وتُقفل الأبواب دونهم، لا حرصًا على الحقيقة، بل حرصًا على ألا تُقال كلمةٌ تفضحُ سِرّهم، أو تُفسد عليهم خططهم. أما نحن، فنجعل من منابرنا سلّمًا يرتقي عليه العدو، ومن أقلامنا سهامًا نرمي بها أنفسنا!
أيّها الناس، إنّ الإعلام، إذا لم يُضبط، كان كالماء في السيل، يروي ويُغرق، ويعمر ويُدمّر. فاخشوا على أوطانكم من أولئك الذين يلبسون ثوب الحياد، وقلوبهم معلّقة في موائد الطامعين.