*فادي السمردلي يكتب:الأزمات المفتعلة للأحزاب كعقبة أمام فاعلية الأحزاب السياسية واستقرارها التنظيمي(٣٦/٢٧)*

*بقلم: فادي زواد السمردلي*  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.(٣٦/٢٧)”*

ماذا يعني الأزمات المفتعلة للأحزاب؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️
في المشهد السياسي المتقلب الذي تعيشه بعض الاحزاب في كثير من الدول لا تقتصر الأزمات على تلك التي تُفتعل في الساحة العامة فحسب، بل تبدأ في أحيان كثيرة من داخل الأحزاب نفسها إذ تلجأ بعض القيادات الحزبية، وخصوصًا عندما تشعر بتهديد داخلي أو ضعف في نفوذها، إلى افتعال أزمات تنظيمية داخلية لفرض السيطرة أو إقصاء الخصوم يُستخدم هذا الأسلوب كتكتيك دفاعي أو هجومي في لحظات الانقسام أو التراجع الشعبي، حيث يتم تضخيم الخلافات بين أعضاء الحزب، أو إثارة الجدل حول قضايا شكلية، لتحويل الانتباه عن فشل القيادة أو لتبرير تغييرات داخلية تعزز سلطتها.

تُفتعل هذه الأزمات الداخلية غالبًا تحت ذرائع كاذبة أو مبالغ فيها، كإعادة الهيكلة أو فرض الانضباط التنظيمي، في حين يكون الهدف الحقيقي هو تصفية الحسابات الداخلية وإسكات الأصوات المعارضة وهذا السلوك لا يُضعف تماسك الحزب فقط، بل يكشف عن غياب ثقافة الحوار الداخلي، وتفشي ذهنية الاستبداد السياسي داخل الكيانات التي من المفترض أن تكون حاضنات للديمقراطية والمشاركة ومع تكرار هذه الممارسات، يفقد الحزب قدرته على التطور الذاتي، ويصبح جسمًا هشًا معرضًا للتفكك من الداخل، حتى وإن ظهر متحدًا في خطابه الخارجي.

لكن الأخطر من الأزمات الداخلية، هو عندما تخرج هذه التكتيكات إلى الفضاء السياسي العام، فتتحول بعض الأحزاب إلى جهات تُصدّر الأزمات وتغذي التوترات داخل الدولة والمجتمع. بإفتعال الأزمات السياسية الخارجية هو ممارسة ممنهجة تلجأ إليها أحزاب تسعى إلى كسب سريع في معارك انتخابية أو صراعات سلطوية، من دون اكتراث بعواقب ما تخلّفه هذه الأفعال من اضطرابات قد تمتد لسنوات.

من أبرز هذه الأساليب، تعطيل مؤسسات الدولة حيث تعمد بعض الأحزاب إلى عرقلة عمل البرلمانات أو الحكومات، إما بالانسحاب، أو بالاعتراض المستمر، أو حتى بتعطيل التشريعات الحيوية ويتم هذا تحت ذريعة حماية “المصلحة العامة”، في حين أن الهدف الحقيقي غالبًا ما يكون عرقلة خصومهم السياسيين أو منع تمرير إصلاحات لا تخدم أجنداتهم ويؤدي هذا السلوك إلى شلل في صنع القرار، تأخر في تنفيذ السياسات، وخلق فراغ إداري يعطل التنمية ويزيد من معاناة المواطنين.

كذلك، لا تتردد هذه الأحزاب في إثارة الفوضى داخل الساحة الإعلامية والسياسية عبر افتعال صراعات وهمية وتضخيم قضايا هامشية وفي عصر الإعلام الرقمي، تتحول الأكاذيب إلى “حقائق” عبر تكرارها وتضخيمها على منصات التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى تشتيت انتباه الجمهور عن القضايا الحقيقية وتُستخدم هذه الوسائل للتأثير على الرأي العام، وإشغال المواطنين بنزاعات مفتعلة، تعمق الانقسام السياسي وتُجهض كل إمكانية لحوار وطني منتج.

أما الأداة الأخطر، فهي توظيف القضايا الخلافية، لا سيما الطائفية أو العرقية، لإثارة العواطف وتحقيق مكاسب انتخابية فتلجأ بعض الأحزاب إلى استغلال التنوع الديني أو القومي داخل الدولة، وتطرح قضايا حساسة بطرق مثيرة للفتنة، بقصد استقطاب جمهور محدد وتحريضه على خصومهم السياسيين وبهذا، تُستبدل الوحدة الوطنية بالانقسام، وتُستثمر الكراهية بدلًا من التضامن، مما يضع مستقبل التعايش الاجتماعي على المحك.

إن النتائج المترتبة على هذه الممارسات، سواء داخل الحزب أو خارجه، لا تتوقف عند اللحظة السياسية الراهنة، بل تمتد لتشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الدولة وسلامة نسيجها الاجتماعي فمن جهة، يؤدي افتعال الأزمات إلى تزايد الاستقطاب داخل المجتمع، حيث تتناحر الفئات المختلفة بدلًا من أن تتحاور. ويترتب على ذلك غياب الثقة بين المكونات السياسية، وتعقيد أي مسعى للإصلاح أو المصالحة.

ومن جهة أخرى، يعطل هذا النهج مشاريع التنمية والاستثمار، إذ أن البيئة السياسية المتوترة لا تشجع على تدفق الاستثمارات أو بناء خطط اقتصادية بعيدة المدى فتتحول الحكومة إلى إدارة للأزمات بدل أن تكون مُحركًا للتنمية، وتُهمش ملفات التعليم والصحة والبنية التحتية، بينما تزداد البطالة وتنهار الخدمات العامة.

أما على مستوى العلاقة بين الأحزاب والجمهور، فإن استخدام أساليب الفوضى والمراوغة يفقد الأحزاب مصداقيتها بمرور الوقت فمهما نجحت هذه الأحزاب في تحقيق أهداف قصيرة الأجل، فإنها تُوصم لاحقًا باللامسؤولية والاحتيال السياسي، مما يؤدي إلى انصراف المواطنين عنها، وتراجع المشاركة السياسية، وازدياد الفجوة بين المجتمع والعمل الحزبي.

في النهاية، لا يُمكن البناء على أزمات مصطنعة ولا على انتصارات مزيفة لإن افتعال الأزمات، سواء داخل الأحزاب أو على مستوى الدولة، ليس إلا استراتيجية خاسرة، تحمل في طياتها بذور التآكل والانهيار فلا بديل عن تبني الحوار، والصدق السياسي، والعمل من أجل الصالح العام إذا أرادت الأحزاب أن تظل فاعلة، والمجتمعات أن تبقى متماسكة، والدول أن تواصل مسيرتها في الاستقرار والتنمية.

قد يعجبك ايضا