*فادي السمردلي يكتب: بنفاذ الكعكة الفئران تأكل بعضها*
*بقلم فادي زواد السمردلي* …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
في أقبية معتمة ومختبرات مهجورة، وداخل أقفاص ضيقة تغيب عنها فرص النجاة، تتجلى واحدة من أكثر الظواهر إثارة للدهشة والقسوة في سلوك الحيوان فالفئران تأكل بعضها وهذا الأمر لا يحدث من عبث، بل تحت ضغط الجوع والخوف وانعدام الأمل فحين تُحبس الفئران وتُترك بلا غذاء، يبدأ أضعفها في التحول إلى ضحية، ويُصبح الأقربون أول من يُفترس فالمشهد مقزز، لكنه واقعي، ومثير للتأمل أكثر مما هو مروع، لأن ما تفعله الفئران في ظرفها ذاك، يعكس بطريقة رمزية صارخة ما يحدث حين تختنق المصالح بين البشر، خصوصًا بين من يعيشون على التنافس، ويقتاتون على الانتهاز.
أصحاب المصالح هؤلاء الذين لا تحكمهم قيم ثابتة، بل تديرهم حسابات دائمة التبدل وعندما تضيق بهم رقعة المكاسب، أو حين يشعر أحدهم أن الآخر بات يشكل خطرًا على طموحه أو نفوذه، يبدأ التآكل الخفي فلا حاجة لأسنان حادة كما لدى الفئران، بل يكفي تصريح مبطن، أو موقف مغلّف بالتحريض، أو انسحاب مفاجئ من شراكة، أو خيانة تحت غطاء “المصلحة العامة”. ما إن تنكسر الثقة، حتى يتصرف الجميع وكأنهم في قفص مغلق، لا نجاة فيه إلا على حساب الآخر فيتحول التعاون إلى تنافس، والتنافس إلى صراع، والصراع إلى تآكل لا يُبقي ولا يذر.
اللافت في سلوك أصحاب المصالح أنهم غالبًا ما يبدأون علاقتهم ببريق الشراكة والاتفاق، يظهرون أمام الجميع كجسد واحد، متماسك، يبتسم للكاميرات، ويتبادل التصفيق. لكن حين تبدأ خيوط المصالح بالتشابك، يتحول ذلك الود الظاهري إلى خشونة خفية، وإلى طعنات ناعمة لا تُرى إلا حين يفوت الأوان فكل طرف يظن نفسه الأذكى، وكل واحد يتوهم أن الآخر أداة يمكن التخلص منها لاحقًا وهكذا، كما الفئران في أقفاصها، يتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء اليوم، لا بفعل الضرورة وحدها، بل بسبب طبيعة المصالح نفسها، التي لا تعترف بولاء دائم، بل بولاء ظرفي ينتهي بانتهاء الفائدة.
والمؤسف في هذه الديناميكية أن الجميع ينهار في النهاية فلا يخرج أحد من ساحة التآكل وقد ظل نظيفًا، أو ناجيًا بالكامل وحتى من “يفوز” ظاهريًا، يخسر شيئًا من إنسانيته، من مصداقيته، وربما من قدرته على بناء أي شراكة حقيقية في المستقبل فالمشهد يبدو ناجحًا في الظاهر، لكنه دائمًا ما يحمل رائحة الخيانة والهشاشة إنها مأساة لا يكتبها التاريخ، بل تحفظها النفوس المجروحة والضمائر الصامتة.
في النهاية، حين تأكل الفئران بعضها، لا يكون هناك منتصر حقيقي، بل حفنة من الناجين المتشظين، الجائعين دائمًا، المذعورين دومًا من أن يكونوا الفريسة القادمة وكذلك أصحاب المصالح، حين يأكلون بعضهم، يبنون عالمًا هشًا، متوترًا، مليئًا بالخوف والريبة، لا يعرف الاستقرار ولا يعترف بالثقة فهل هم أذكى من الفئران فعلًا؟ أم مجرد نسخة متطورة منها، بقوانين أعقد وأسنان مخفية؟
الكاتب من الأردن