*فادي السمردلي يكتب: زخرفة الرخام لا تمحو سواد السخام*
*بقلم فادي زواد السمردلي* …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
(يا ذوي الألباب، لا تنخدعوا، فظاهرهم يخالف باطنهم فاحذروا) ففي زمننا الحالي، المظاهر لم تعد مجرد تفاصيل سطحية، بل تحولت إلى استراتيجية متقنة لخداع العيون والخروج من تحت ضغوط الواقع فالصورة الخارجية أصبحت عاملًا أساسيًا يؤثر في كيفية استقبال الناس للأشخاص والمؤسسات، حتى باتت أحيانًا أهم من الحقيقة نفسها فلا يقتصر الأمر على أخطاء عابرة أو مواقف فردية خاطئة، بل أصبح التلاعب بالواجهة أسلوب حياة، يتبناه البعض، أفرادًا كانوا أو منظومات وهيئات، كوسيلة لصناعة وجه لامع يخفي وراءه أزمات لا حصر لها.
ذلك البريق الزائف ليس مجرد غطاء بسيط أو محاولة إخفاء عيوب صغيرة، بل هو قناع يكسو واقعًا مليئًا بالاضطراب والتصدع فالمؤسسات التي نراها كأنها نجحت، والمنظومات التي تبدو مستقرة، والعلاقات الاجتماعية التي توصف بالمتينة، في الحقيقة كثير منها يعاني من أزمات عميقة وشروخ غير مرئية للعين العادية فما نسمعه يوميًا من شعارات جذابة وكلمات لامعة، لا تعبر سوى عن محاولات لتجميل الواقع القاسي، وتغطية الإهمال والفشل وحتى الفساد الذي ينهش الداخل.
المشكلة ليست فقط في وجود هذا الفارق الشاسع بين ما نراه وما نعيش، بل في الطريقة التي تجعلنا نغفل عن العلامات التحذيرية فنُعجب بالبريق وننسى أن وراءه ظلام داكن قد يهدد الكيان ذاته فتلك الواجهة المصقولة التي تخدعنا ليست مجرد مسألة جمالية، بل هي خطر حقيقي قد ينسف الثقة بين الأعضاء إن لم ينسف فعليا ويؤدي إلى انهيار المؤسسات والمجتمعات بأكملها.
في هذه الأجواء، يصبح من الصعب التمييز بين الصدق والكذب، بين الحقيقي والزائف فالثقة تنهار ويبدأ الشك يحوم فوق كل شيء فالصدق يصبح نادرًا، والمظاهر الزائفة تنتشر بشكل مخيف وهنا، الأشخاص الذين يحملون الحقيقة والشفافية يجدون أنفسهم مهمشين، بينما يُكرم المتظاهرون والممثلون وهذه الحالة لا تزيد سوى من الهوة بين ما نراه على السطح وما نعيشه فعليًا، مما يعرقل أي فرصة للتغيير الحقيقي أو النمو الصحي.
هذه الظاهرة ليست مجرد أزمة فردية أو مؤسسية، بل هي وباء اجتماعي شامل يعكس تأزمًا في قيمنا ومبادئنا فكلما ازداد البريق الخادع، عمق الظلام الداخلي وتعمقت الشروخ، وكلما تجاهلنا مواجهة الحقيقة، زادت تعقيدات الأزمات وتفاقمت لذلك، لم يعد يكفي أن نرضى بالمظاهر، بل أصبح لزامًا علينا أن نحفر أعمق، ننظر وراء الأقمشة اللامعة، ونواجه الواقع بكل ما فيه من ألم وقسوة.
البقاء على قيد الحياة في هذا العصر، الذي يخفي فيه الرخام السخام، لا يتطلب فقط وعيًا عاديًا، بل وعيًا حادًا ونقديًا، وشجاعة لا تلين في مواجهة الحقائق المؤلمة ويجب أن نتمسك بالصدق والنزاهة، حتى عندما تضغط علينا الأضواء الزائفة وتغري بالمظاهر الكاذبة، لأن الاستسلام للزيف هو بداية النهاية.
في النهاية، عبارة “من برا رخام ومن جوه سخام” ليست مجرد مثل شعبي يُقال، بل هي صرخة تحذير موجهة لنا جميعًا فالجمال الحقيقي لا يقاس بالمظهر الخارجي أو الواجهة المزيفة، بل بالقيم والمبادئ والأخلاق التي نحملها في أعماقنا وفي زمن تغمره الأضواء الزائفة، يصبح السعي نحو الحقيقة والصدق هو السبيل الوحيد للبقاء، والتقدم، والنمو كأفراد ومجتمعات تستحق أن تعيش بكرامة وصدق.
الكاتب من الأردن