✍️ من معدلٍ ملك.. إلى إنسانٍ محور..

محمود الدباس  ….

موضوع كثر الحديث فيه وعنه.. وللأسف لا زحزحة عن تموضع المسؤولين فيه.. ولا حتى لفتتة.. تجعلنا نعيش في امل المستقبل.. ومع ذلك.. سنبقى نحرك الماء الساكن.. حتى لا يفسد..

في واقعٍ باتت فيه الأرقام تحكم مصير الطلبة.. ويتحول فيه مستقبل الإنسان إلى خانة عشرية.. تُحدد بامتحان واحد.. لم يعد من المقبول.. أن نربط القبول الجامعي بمعدل الثانوية العامة فقط.. فهذا الامتحان ـ رغم ما يمثله من جهد وتحصيل ـ لا يعكس بالضرورة قدرات الطالب الشمولية.. ولا يعبّر عن مهاراته المتعددة.. التي قد تكون خافتة في أوراق الامتحان.. لكنها لامعة في ساحات الإبداع الحقيقي..

البديل لا يعني الفوضى.. بل يعني التنوع.. وأن نفتح نوافذ أكثر عدلاً وإنصافاً.. تعتمد التقييم التراكمي خلال سنوات المدرسة.. ومشاريع التخرج.. والمقابلات الشخصية.. وحتى اختبارات القدرات والتحصيل الجامعي المعيارية.. فليس كل طالب متفوق في الحفظ.. يصلح للبحث العلمي.. وليس كل مَن تعثّر في امتحان تقليدي.. غير قادر على التفوق في ميادين الحياة..

ما أقوله ليس تنظيراً.. بل ممارسة راسخة في أعرق جامعات العالم.. فجامعة ستانفورد الأمريكية مثلاً.. لا تعتمد المعدل وحده كشرط للقبول.. بل تنظر إلى ملف الطالب الشخصي.. ومهاراته غير الأكاديمية.. ومشاركاته المجتمعية.. وتفكيره النقدي في مقالات القبول..

بينما في اليابان.. يُنظر إلى شخصية الطالب ومدى انسجامه مع التخصص.. وتُجرى مقابلات تقيس مرونته الذهنية والعملية.. لا فقط مستواه النظري..

حتى في بريطانيا.. الجامعات الكبرى مثل أوكسفورد وكامبردج.. تعتمد مقابلات شفهية صارمة مع الطالب.. وأسئلة تحليلية تقيس طريقة التفكير.. لا حفظ المحتوى..

وفي كوريا الجنوبية.. بدأوا تدريجياً بفك الارتباط الصارم بين الامتحانات الموحدة.. والقبول الجامعي.. والتركيز على المسارات الفردية للطلبة..

يمكن للجامعات لدينا.. أن تصمم نماذج قبول متعددة المسارات.. فالمسار الطبي مثلاً.. يمكن أن يُبنى على معدل معين مبدئي.. يليه امتحان قدرات علمية.. ومقابلة شخصية.. تقيس الثبات النفسي والقدرة على العمل تحت الضغط..
ومسار الهندسة.. يُمكن أن يراعي الإبداع العملي.. ومهارات حل المشكلات والابتكار الرقمي..
أما مسار العلوم الإنسانية.. فالأولى أن يُعاد النظر إليه.. لا بوصفه مساراً سهلاً.. أو بديلاً أخيراً.. بل باعتباره حاضنة التفكير العميق.. والقيادة المجتمعية.. ويمكن تقييم الطلبة فيه من خلال اختبارات تفكير نقدي.. وكتابة تحليلية.. ومقابلات تقييم شخصية.. فالقادر على استيعاب الفلسفة.. أو علم الاجتماع.. أو الأدب.. هو مَن يجيد الربط بين الإنسان والمعنى.. لا مَن يحفظ تعاريف جامدة..

نحتاج إلى انتقال تدريجي.. من فكرة ((المعدل هو الملك)).. إلى فكرة ((الإنسان هو المحور)).. وأن يكون التعليم الجامعي.. مرحلة اختيار وتوجيه.. لا مجرد امتداد عشوائي لتخصصات.. لا تعكس هوية الطالب ولا حاجات السوق..

العدالة التعليمية تبدأ من لحظة التوجيه الأكاديمي.. لا من لحظة إعلان النتائج.. وحين نكسر احتكار المعدل وحده.. نكون قد بدأنا أول خطوة في طريق الإصلاح الحقيقي لمنظومة التعليم.. إصلاح لا يُقاس بكم ورقة نُفذت.. بل بكم إنسانٍ تفتّح عقله.. وتفتحت أمامه أبواب الحياة..

محمود الدباس – أبو الليث..
😇🙏🌷

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا