بعد أحداث السويداء.. هل تتجه سورية نحو تشكيلات عسكرية طائفية؟
محي الدين غنيم ….
تشهد سورية منذ أكثر من عقد من الزمن حربًا مدمّرة أعادت رسم معالم المجتمع والدولة، وعمّقت الانقسامات الطائفية والمناطقية، وسط انهيار مؤسسات الدولة المركزية لصالح قوى أمر واقع وتشكيلات عسكرية غير نظامية. ومع تصاعد القتال مؤخرًا في السويداء، واحتدام المواجهة بين قوات حكومة الشرع وفصائل محلية ذات طابع طائفي أو مناطقي، يُطرح سؤال جوهري: هل تتجه سورية نحو التشكيل النهائي لميليشيات طائفية تحلّ محل الجيش الوطني الموحد؟ وكما طالب البعض بضرورة أن تقوم الطائفة الدرزية بتشكيل جيش التوحيد، وتمثّل محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية حالة خاصة داخل الجغرافيا السورية، حيث ظلت لفترة طويلة على هامش الصراع المباشر، رغم تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية. إلا أن المرحلة الأخيرة شهدت صدامات دامية بين فصائل محلية مسلحة من جهة، وقوات تابعة لحكومة الشرع من جهة أخرى، على خلفيات سياسية واجتماعية متراكمة، عززتها أزمة الثقة المتفاقمة بين الدولة والمكونات المحلية.
وتبرز في هذا السياق ميليشيات ذات طابع طائفي أو عشائري بدأت تُطرح كبديل عن المؤسسات الرسمية في المحافظة، بما في ذلك فصائل تنادي بالحكم الذاتي أو تطالب بخروج الأجهزة الأمنية. وفي المقابل، ظهرت في مناطق المعارضة أيضًا تشكيلات عسكرية سنيّة، بعضها تبنّى خطابًا دينيًا متطرفًا، مما أسهم في تعزيز الانقسام الطائفي.
إن الاتجاه نحو الطائفية للمؤسسة العسكرية في سورية سيكون بمثابة إعلان رسمي عن تقسيم البلاد سياسيًا ومجتمعيًا، وتكريس أمر واقع يصعب التراجع عنه. هذا المسار يحمل مخاطر جسيمة، من أهمها : انعدام الثقة بين مكونات الشعب السوري ، واستحالة إعادة بناء جيش وطني موحد. بالإضافة إلى اتساع رقعة الفوضى المسلحة و”الكانتونات” الطائفية .
وإن الحل لا يكمن في المزيد من التسلّح والانقسام، بل في العودة إلى مشروع سياسي وطني جامع، يحترم خصوصيات المكونات، ويضمن تمثيلًا عادلًا للجميع في جيش وطني مهني، تحت مظلة دولة مدنية غير طائفية.
إن الصراع الدائر في السويداء قد تجاوز حدوده الجغرافية والطائفية، وأصبح يمس جوهر بقاء الدولة السورية. وفي حال استمر تهميش الحل السياسي، وتنامي دور القوى الخارجية والميليشيات، فإن سورية ماضية في طريق التشكيلات العسكرية الطائفية، وهذا ينذر بمزيد من الانهيار، وربما التقسيم الفعلي على الأرض.
لذلك نطالب جميع الطوائف بالتوحيد تحت راية الوطن للوصول إلى تشكيل دولة مدنية تحترم كافة الطوائف.
الكاتب من الأردن