*فادي السمردلي يكتب: السفارات الأردنية والاستثمار الخارجي دور محوري بحاجة إلى تفعيل ومساءلة*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
تلعب السفارات الأردنية والملحقيات الاقتصادية والتجارية دورًا محوريًا يتجاوز التمثيل الدبلوماسي التقليدي ليصبح ركيزة أساسية في تنفيذ الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية للمملكة فهي الواجهة الأولى التي يلتقي بها المستثمر الأجنبي، وتعتمد عليها الدولة في ترويج بيئة الأردن الاستثمارية الآمنة والمحفزة، مما يؤثر مباشرة على حجم ونوعية الاستثمارات الوافدة فتتطلب هذه المهمة تفعيل دور البعثات الدبلوماسية بشكل عملي ومؤسسي، عبر الترويج المستمر لمزايا الأردن التنافسية، مثل موقعه الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط آسيا بأفريقيا وأوروبا، واستقراره السياسي والأمني في منطقة تشهد الكثير من التقلبات، إلى جانب الإطار التشريعي المحفز للاستثمار، والمزايا المرتبطة بالمناطق الحرة والتنموية ويتوجب تحويل هذه العناوين إلى حملات ترويجية ذكية ومنظمة تدار من قبل السفارات.
ينبغي على السفارات التركيز على القطاعات الاقتصادية الواعدة كالطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي تحظى باهتمام عالمي، مع إبراز دعم الحكومة الأردنية لهذه المشاريع كما تشهد قطاعات تكنولوجيا المعلومات والابتكار نموًا سريعًا وتوفر فرصًا واعدة، إلى جانب السياحة العلاجية والدينية التي يمتلك الأردن فيها مقومات فريدة تفتقدها دول أخرى في المنطقة كذلك القطاعات التقليدية كالتصنيع الغذائي والزراعة الذكية والخدمات اللوجستية تحتاج إلى ترويج متخصص ومحتوى ترويجي دقيق يتناسب مع طبيعة الأسواق المستهدفة ولا يكفي الترويج فقط، بل يجب بناء شبكة علاقات مستدامة مع المستثمرين المحتملين عبر التعاون المستمر مع غرف التجارة والصناعة، والاتحادات الاقتصادية، وتنظيم لقاءات عمل ثنائية، وورش تعريفية مستمرة، فضلاً عن المشاركة الفعالة في المعارض والمؤتمرات الدولية وفي هذا السياق، تُبرز الفاعلية والابتكار كعنصرين حاسمين في تمييز البعثات التي تحقق نجاحًا عن تلك التي تكتفي بالحضور شكليًا.
نجاح أي جهود ترويجية يعتمد أيضًا على قدرة السفارات على توفير خدمات دعم مميزة للمستثمرين، تشمل توفير المعلومات الشفافة والدقيقة عن الفرص الاستثمارية، وتسهيل الإجراءات الإدارية كإصدار التأشيرات وتنظيم الزيارات الميدانية، بالإضافة إلى تقديم المشورة الاقتصادية الأولية. وهذا يتطلب قدرات إدارية وفنية عالية، ومعرفة متعمقة بالإجراءات والقوانين داخل الأردن، وتنسيق مستمر مع الجهات الرسمية ذات العلاقة فلا يقتصر دور السفارات على الترويج فقط، بل يمتد إلى رصد وتحليل التوجهات الاقتصادية في الأسواق التي تعمل فيها، وإعداد تقارير دورية دقيقة تقدم إلى وزارة الخارجية ووزارة الاستثمار وهذه التقارير تعد مصدرًا هامًا لصناع القرار لتطوير السياسات الاقتصادية الوطنية، بناءً على معطيات ميدانية واقعية، تشمل تقييم القطاعات الواعدة وتقديم توصيات حول كيفية تحسين استراتيجيات جذب الاستثمار.
تمثل الجاليات الأردنية ورجال الأعمال المغتربين طاقة اقتصادية غير مستغلة بشكل كامل، إذ يمكن أن يكونوا جسرًا فعالًا بين الأردن والأسواق الدولية، من خلال استثمار علاقاتهم وشبكاتهم الواسعة لدعم المشاريع الوطنية، خصوصًا في ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. تلعب السفارات هنا دور الوسيط الذي يربط بين الجاليات والمستثمرين والجهات الحكومية، مما يعزز من فرص الاستثمار ويزيد من التنسيق بين الأطراف وفي ظل توجه الأردن لتطوير مشاريع استراتيجية بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، يجب أن تتولى السفارات دورًا فاعلًا في تسهيل هذه الشراكات، من خلال ربط المستثمرين الأجانب بمشاريع حكومية واعدة، وتقديم الدعم الفني والمعلومات اللازمة لتقييم الفرص وتذليل العقبات الإدارية.
إضافة إلى الجوانب التقنية، يحتاج الترويج إلى عرض قصص نجاح واقعية للاستثمارات التي تم جذبها بفضل جهود السفارات. هذا النوع من الأمثلة يعزز من مصداقية العمل، ويشجع المستثمرين المحتملين على تبني نفس النهج، ويوفر أدوات تعليمية مفيدة لكوادر البعثات ورغم الدور المهم للسفارات، تواجه هذه البعثات تحديات متعددة، من بينها نقص التدريب المتخصص في مجال الترويج الاستثماري، وضعف البنية التكنولوجية في بعض السفارات، ومحدودية الموارد المالية المخصصة للأنشطة الاقتصادية، وغياب آليات واضحة ومنتظمة لقياس الأداء فيتطلب ذلك من الجهات الحكومية تقديم دعم مستدام، يشمل تحديث البنى التحتية التقنية، توفير التدريب المستمر والمتخصص، إعادة هيكلة مهام البعثات لتتوافق مع الأولويات الاقتصادية الحديثة، وتأسيس نظم مساءلة شفافة تشجع الأداء المتميز.
يمكن استثمار التحول الرقمي لتعزيز جهود السفارات، عبر إنشاء منصات إلكترونية تفاعلية تسهل التواصل مع المستثمرين، تقديم خدمات إلكترونية متطورة، ونشر محتوى ترويجي متنوع وبسيط الوصول وهذه الخطوة تسهم في تقليل الفجوات المعلوماتية، وتسريع الاستجابة للاحتياجات الاستثمارية. كذلك، يجب أن تتضمن رسائل الترويج مؤشرات واضحة على توجهات الأردن نحو التنمية المستدامة، والتزامه بالمعايير البيئية والاجتماعية، مما يعزز جاذبية البلاد في الأسواق العالمية وأخيرًا، ينبغي الاعتراف بالعقبات غير الاقتصادية التي قد تواجه المستثمرين، مثل البيروقراطية، والتعقيدات القانونية، والمتطلبات البيئية. يجب على السفارات بالتعاون مع الجهات المحلية العمل على تبسيط هذه الإجراءات، وتقديم حلول عملية تيسر دخول المستثمرين إلى السوق الأردني.
نجاح السياسة الاستثمارية الأردنية يعتمد بشكل مباشر على مدى تفعيل دور السفارات والملحقيات الاقتصادية والتجارية، واحترافيتها في الأداء، وقدرتها على العمل بانسجام مع باقي الجهات ذات العلاقة، إن إعادة النظر في آليات عمل هذه البعثات، وتوفير الدعم والتدريب اللازمين، واعتماد معايير تقييم شفافة، كلها خطوات ضرورية لتعزيز مكانة الأردن كوجهة استثمارية جاذبة في الإقليم والعالم ومن خلال هذا التفعيل الشامل والمتوازن، يمكن للأردن أن يستثمر موقعه الاستراتيجي وموارده الاقتصادية في بناء مستقبل اقتصادي مزدهر، يضمن التنمية المستدامة ويحسن من مستوى حياة مواطنيه.
الكاتب من الأردن