لماذا لم يحضر الطفل محمد الدرة اليوم ضمن 18 ألف طفل قُتلوا في غزة؟

✍️ بقلم طوفان الجنيد  …..

 

المقدمة: المشهد الذي خلدته ذاكرة العالم
في 30 سبتمبر/أيلول 2000، التقطت عدسة المصور الفلسطيني طلال أبو رحمة، التابع لقناة “فرانس 2″، مشهدًا هزّ الضمير العالمي وأثار موجة غضب عارمة، وخاصة في أوساط الشعوب العربية.
كان ذلك حين أقدم جنود العدو الصهيوني على قتل الطفل محمد الدرة (12 عامًا) وهو في أحضان والده جمال الدرة، خلف برميل إسمنتي عند مفترق “نتساريم” في غزة.
أطلق العدو وابلًا من الرصاص على الأب وطفله، في جريمة منكرة ومشهد مؤلم، خاصة حين كان الأب يلوّح بيده متوسلًا، فيما كان ولده يرتعد خوفًا ويصيح: “أصابوني! أصابوني!” قبل أن يسقط قتيلاً على فخذ والده.
لقد بثّت تلك الصورة وشاهدها العالم بأسره، فحركت الضمائر الإنسانية، وخرجت المظاهرات الشعبية في كثير من البلدان العربية والغربية والإسلامية، مستنكرة تلك الجريمة النكراء.
وأصبحت صورة الدرة أيقونة الانتفاضة، ووسمًا عالميًا طاف العالم، وحطم الأرقام القياسية في التداول والمشاهدة.
وكان الإخوان المسلمون على أشدّهم في استغلال هذا الحدث، إذ حشدوا كل قواهم لإبراز الجريمة وترويجها إعلاميًا وعلى منابر المساجد والمحاضرات الدينية، وجمعوا التبرعات باسم محمد الدرة، حتى غدت صورته تملأ الشوارع، وسيارات النقل، وجدران المباني، وواجهات المتاجر والمحال التجارية، وصولًا إلى أصغر البقالات.
لكن… كل هذا الحراك لم نره اليوم، رغم المجازر اليومية وبشاعة الإجرام والإبادة الجماعية التي يتعرض لها أطفال غزة!
سؤال يفرض نفسه:
ليت شعري، ما الذي حدث للعالم؟ وماذا دهاهم؟
سيبقى هذا السؤال حيرى في عقول الملايين من أحرار البشر، أصحاب الغيرة والمبادئ والقيم الإسلامية. وسيظل هذا الموقف المخزي من العالم الصامت والمتخاذل وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء، وشاهدًا على نفاق المؤسسات الدولية والهيئات الأممية والإعلامية.
كيف لا، والعالم يرى بأمّ عينه ما يجري من نازية مفرطة، وإبادة جماعية لأطفال غزة قصفًا وتعذيبًا وتجويعًا؟
وبحسب إحصائيات أواخر عام 2024، يُقتل في غزة ما يعادل سبعة أطفال كل ساعة!
ومنذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم:
18,000 طفل قُتلوا.
بينهم 11,000 طالب.
و217 مولودًا قضوا جوعًا أو بسبب انعدام العناية الصحية.
35,000 طفل يعيشون بلا آباء.
و3,500 طفل في عداد المفقودين تحت الأنقاض.
كل هذه الأرقام… ولم يتحول أي منهم إلى “رمز” كالدرة!
الفجوة بين رمز واحد ومذبحة جماعية
هناك عدة أسباب لهذا الفارق الكبير بين ما حدث عام 2000 وما يجري اليوم، منها:
1_ التغطية الإعلامية المتعمدة من قبل الكيان، وحجب الصور والفيديوهات التي تُظهر أشلاء الأطفال وجثث القتلى، بحجة “حماية المشاهدين”.
2- تقييد دخول الصحفيين إلى غزة، واستهدافهم بشكل مباشر.
3- التعنت الصهيوني المدعوم أمريكيًا بكل أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي.
4- الصمت الدولي، والخيانة العربية، والتواطؤ الأممي، واستمرار التمويل العسكري لإسرائيل.
في عام 2000، قُتل محمد الدرة برصاص جنود الاحتلال في مواجهة محددة.
أما اليوم، فأطفال غزة يُقتلون بالصواريخ والذخائر العنقودية التي تمزق أجسادهم، حتى تصبح هوياتهم مجرد أرقام في سجلات الشهداء.
وبينما أدانت المجتمع الدولي إسرائيل في ذلك الوقت، وقدمت اعتذارًا علنيًا، نجدها اليوم تدوس على كل المناشدات الدولية، وتتحدى كل قرارات المحاكم الدولية، مستندة إلى الدعم الأمريكي والغربي المجرم.
عبارة تاريخية ونبوءة عظيمة لوالد محمد الدرة:
حين زار رئيس السلطة الفلسطينية وبعض القادة العرب إسرائيل للمشاركة في تشييع جثمان شمعون بيريز، ولم يتحدثوا عن أطفال غزة، قال والد الشهيد محمد الدرة:
“التطبيع أداة لمحو الجرائم وتبييض صورة إسرائيل.
التطبيع يدفع إسرائيل لارتكاب المزيد من الجرائم.
التطبيع ليس سياسة فحسب، بل آلية لطمس الذاكرة الجماعية، فالشهيد يذكّر العالم بجراح لم تندمل”.

الخاتمة: هل يحتاج كل طفل إلى كاميرا؟
محمد الدرة لم “يُحضر” اليوم، ليس لأنه كان أكثر براءة من غيره، بل لأن العالم اختار أن يُغمض عينيه.
هناك 18,000 طفل في غزة، شهداء حقيقيون، لكنهم ضحايا نظام عالمي يبرر القتل باسم “حق الدفاع عن النفس”، ويحوّل الضحايا إلى “أضرار جانبية”، ويمجد السلام مع الجلاد، بينما يدفن الشهداء تحت أنقاض بيوتهم.
القمم الكاذبة، والمؤتمرات الصورية، والمفاوضات المخدّرة، والوساطات المنافقة… كلها أسهمت في تغييب القضية الفلسطينية ومصادرتها.
فهل تكفي هذه الأرقام وهذا الإجرام، أيها العالم، لتستيقظ ضمائركم؟

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا