“إسرائيل الكبرى”… بين أوهام التوسع وحتمية التاريخ والجغرافيا والبعد القانوني
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….
“إسرائيل الكبرى”… بين أوهام التوسع وحتمية التاريخ والجغرافيا والبعد القانوني
اسرائيل الكبرى مشروع يتجاوز حدود القوة :
تتصاعد في الآونة الأخيرة تصريحات قيادات إسرائيلية من الصف الأول، يتصدرهم رئيس الوزراء المجرم النتن ياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، عن “حق تاريخي” لإسرائيل في كامل ما يسمونه ” أرض إسرائيل الكبرى “، وهو مفهوم يتجاوز حدود 1967 ليشمل الضفة الغربية وغزة وأجزاء من الأردن وربما مساحات أوسع، هذا الخطاب الذي يمزج بين الميثولوجيا الدينية والنزعة القومية، يتجاهل تماماً حقائق الجغرافيا والديموغرافيا، كما يتعارض بوضوح مع قرارات الأمم المتحدة ألتي أرست مبدأ عدم جواز الأستيلاء على الأراضي بالقوة[^1].
الديموغرافيا : الأرقام تفضح الوهم :
تقدّر الإحصاءات الحديثة عدد اليهود في العالم بنحو 15.7 مليون نسمة فقط، يعيش منهم في إسرائيل حوالي 7.3 مليون، أي أقل من نصف المجموع.
في المقابل، يبلغ عدد العرب أكثر من 460 مليون نسمة، وعدد المسلمين يتجاوز 2 مليار إنسان، ضمن هذه المعادلة، فإن مشروع “إسرائيل الكبرى” يعني أنخراط دولة صغيرة سكانياً في مواجهة محيط عربي – إسلامي شاسع، مع ما يحمله ذلك من إستنزاف أمني وأقتصادي وسياسي دائم.
البعد القانوني: مخالفة صريحة للشرعية الدولية :
تصريحات نتنياهو وبن غفير وسموتريتش عن ” إسرائيل الكبرى ” تشكل إنتهاكاً صريحاً لعدد من قرارات الأمم المتحدة، أبرزها :
القرار 242 (1967) : الذي يؤكد عدم جواز الأستيلاء على أراضٍ بالحرب، ويدعو للأنسحاب من الأراضي المحتلة[^2].
القرار 338 (1973) : الذي يدعو لتطبيق القرار 242 فوراً[^3].
القرار 2334 (2016) : الذي يعتبر الأستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة منذ 1967 غير قانوني ويدعو لوقفه فوراً [^4].
هذه التصريحات لا تعكس فقط تحدياً للقانون الدولي، بل تنذر بعزلة سياسية لإسرائيل، إذ تضعها في مواجهة مباشرة مع الإجماع الأممي.
خطر على الداخل العلماني الإسرائيلي :
المتطرفون الدينيون والقوميون لا يدركون أن مشروعهم لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يهدد أسس الدولة الإسرائيلية نفسها، فالتوسع المستمر يقوّض البنية الديمقراطية ويفرض أجندة دينية على مجتمع متنوع، ما قد يجرّ إسرائيل نحو نموذج ” الدولة الثيوقراطية ” المعزولة، ويعيد إنتاج أزمات تاريخية مشابهة لتجربة الحروب الصليبية التي إنتهت بالأنكسار بعد عقود من التوسع القسري.
الخلاصة : بين أوهام القوة وحقائق البقاء :
التاريخ يقول إن الدول ألتي تتمادى في التوسع على حساب الآخرين، دون إعتراف بحدود قوتها أو بحقوق جيرانها، تسجّل بيدها بداية نهايتها، إذا كان المتشددون في إسرائيل يؤمنون أن مشروع ” إسرائيل الكبرى ” سيحفظ الدولة إلى الأبد، فإن التاريخ – مدعوماً بالجغرافيا والديموغرافيا والقانون الدولي – يثبت العكس تماماً.
إن بقاء إسرائيل مرهون بسلام عادل، لا بإمبراطورية قائمة على القوة وحدها، فكما قال ابن خلدون : ” الظلم مؤذن بخراب العمران “.
[^1] : ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2 الفقرة 4 ألتى تحظر إستخدام القوة ضد سلامة أراضي أو إستقلال أي دولة.
[^2] : قرار مجلس الأمن 242، الصادر في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967.
[^3] : قرار مجلس الأمن 338، الصادر في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1973.
[^4] : قرار مجلس الأمن 2334، الصادر في 23 كانون الأول/ديسمبر 2016.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الكاتب من الأردن