فادي السمردلي يكتب: ازدواجية الخطاب السياسي

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

من الظواهر المتكررة والمقلقة في المشهد السياسي العربي والعالمي على حدّ سواء، ظاهرة تغيّر الخطاب السياسي بتغيّر موقع المسؤول إذ ما إن يغادر أحدهم منصبه، حتى تنقلب مواقفه بشكل جذري، ويتحول من مدافعٍ شرس عن سياسات الحكومة إلى ناقدٍ لاذع لها، وكأن لسانه لم ينطق يوماً بما يخالف ذلك ويزداد هذا التناقض وضوحاً حين يُعاد تنصيبه في موقع مسؤولية جديد، فيعود ليمارس التبرير والتسويغ للقرارات ذاتها التي كان يهاجمها خارج السلطة، بل وربما يزيد عليها تشدّداً في مواجهة الانتقادات ويصل به الأمر إلى اتهام المنتقدين من خارج المنظومة بما كان هو نفسه يردده ذات يوم، حين كان خارجها وهذا النمط من الخطاب المزدوج لا يعكس فقط تقلبات المواقف، بل يكشف عن عمق الأزمة في المشهد السياسي، حيث لا تُحترم المبادئ لذاتها، وإنما تُستخدم كورقة ضغط أو وسيلة لتحقيق مصالح مرحلية.

إن ازدواجية الخطاب هذه تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التزام المسؤولين بالمبادئ والقيم التي يعلنون تبنيها فهل كانوا صادقين في نقدهم حين كانوا خارج السلطة؟ أم كانوا يركبون موجة المعارضة للوصول إلى المنصب؟ وإذا كانوا مؤمنين حقاً بما كانوا يقولونه، فلماذا يتراجعون عنه بمجرد توليهم المناصب؟ هذا التناقض يُفقد الخطاب السياسي مصداقيته، ويُفقد الجمهور ثقته في نخب الموالاه والمعارضة على حد سواء، ويؤدي إلى إحباط مجتمعي عام يشعر فيه المواطن أن لا فرق جوهرياً بين من يحكم ومن يعارض، فكلاهما يبدّل قناعاته حسب موقعه.

وخطورة هذا السلوك لا تقف عند حدود الشك في النوايا، بل تتعداها إلى تقويض مفاهيم أساسية كالمحاسبة والشفافية والنزاهة فحين يرى الناس أن المواقف تُباع وتُشترى، وأن ما يُقال في العلن لا يُطبق في السر، تنشأ فجوة كبيرة بين الشعب وصنّاع القرار، ويغدو الخطاب السياسي مجرد مسرحية خالية من المضمون والمجتمع، حين يفقد ثقته بخطاب المسؤول، يُعرض عن المشاركة السياسية، ويبتعد عن الإسهام في الشأن العام، فتتكرّس الفجوة وتتعاظم الأزمة.

إن المسؤولية الأخلاقية للموقع العام تفرض على كل من يتصدى للشأن العام أن يلتزم بخطاب متماسك ومواقف نزيهة، سواء كان داخل السلطة أو خارجها فالثبات على المبدأ، حتى وإن خالف المصلحة الآنية، هو ما يمنح السياسي احترام الناس وثقتهم، وهو ما يصنع الفرق بين من يسعى لخدمة الوطن ومن يسعى فقط لخدمة نفسه.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا