من باب ” الفقر والقهر ” يتم تجنيد العملاء لصالح الموساد
محي الدين غنيم ….
لم يكن يومًا التجنيد لصالح أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وعلى رأسها جهاز الموساد الإسرائيلي، مجرد مسألة فكرية أو قناعة أيديولوجية، بل في كثير من الحالات كان نتاجا طبيعيا لواقع اجتماعي واقتصادي مأزوم، يُستغل فيه الضعفاء والفقراء والمقهورون لتسخيرهم في خدمة أجندات معادية لأوطانهم وشعوبهم.
الفقر هو البوابة الأوسع التي ينفذ منها “الموساد” لتجنيد عملائه. حين يُحاصر الإنسان بالبطالة، ويُثقل كاهله الدين، وتسد أمامه سبل العيش الكريم، يصبح أكثر عرضة للابتزاز المادي، وأكثر استعدادا للوقوع في فخ الإغراءات المالية. هنا يقدم له المال مقابل “معلومة بسيطة”، لتتحول هذه المعلومة لاحقا إلى شبكة من الخيانة يصعب التراجع عنها.
أما القهر، فهو الوجه الآخر للعملة. القهر السياسي والاجتماعي يولّد شعورا بالاغتراب وفقدان الانتماء، مما يجعل بعض الأفراد يبحثون عن أي متنفس أو منفذ، حتى وإن كان ذلك عبر خيانة وطنهم. يستغل “الموساد” هذه الثغرة النفسية ببراعة، فيزرع في نفوس هؤلاء شعورا زائفا بالأهمية والقوة عبر دورهم كـمصادر معلومات، بينما في الحقيقة هم مجرد أدوات رخيصة قابلة للاستخدام والتخلص منها في أي لحظة.
التاريخ الحديث حافل بقصص العملاء الذين جُنّدوا من مخيمات اللجوء، ومن الأحياء المهمشة، ومن بين العاطلين عن العمل. لم يأتِ اختيارهم صدفة، بل هو ثمرة لسياسة ممنهجة تقوم على دراسة الظروف الاجتماعية والاقتصادية للفئات الأكثر هشاشة، وتحويل معاناتها إلى فرصة للتغلغل والتخريب.
إن مواجهة هذا الخطر لا تتم فقط عبر القبضة الأمنية، بل تتطلب معالجة جذرية لأسباب الفقر والبطالة والتهميش. فكلما وجد المواطن فرصته في حياة كريمة، وتعزز شعوره بالانتماء، تضاءلت فرص أن يقع فريسة في شباك الاستخبارات المعادية.
إن تجنيد العملاء ليس انتصارا أمنيًا للموساد بقدر ما هو هزيمة اجتماعية واقتصادية داخلية. لذلك، فإن حماية الأوطان تبدأ من حماية مواطنيها من الفقر والقهر، قبل أن تبدأ من تتبع خطوات العملاء.
نتمنى أن تعي الحكومات العربية ذلك .. والله من وراء القصد
الكاتب من الأردن