لماذا نحن أمة الله المتخلفة في الأرض؟

محي الدين غنيم  …..

 

نقف اليوم أمام سؤال مؤلم وصادم في آنٍ واحد: لماذا أصبحنا نحن العرب والمسلمين أمة متخلفة بينما كان يفترض بنا أن نكون في مقدمة الأمم؟ نحن أصحاب القرآن، وأتباع نبي الرحمة، وحمَلة رسالة التوحيد التي غيّرت وجه التاريخ، لكن واقعنا اليوم يكشف أننا صرنا في ذيل الركب، فيما يركض الغرب بسرعة مذهلة متقدماً علينا بمئات السنين.

بكل آسف انشغلنا بالقشور وتركنا الجوهر. صار الدين عند كثيرين مجرد طقوس ومظاهر، بينما غاب التطبيق الحقيقي لقيم الإسلام التي تقوم على العلم والعمل والعدل والإتقان. نرفع الشعارات الدينية ونخوض في خلافات مذهبية عقيمة، لكننا نتجاهل أن الإسلام جاء ليبني أمة قوية، متقدمة، عادلة، قادرة على مواجهة التحديات.

نعيش على أمجاد الماضي، نتغنى بالفتوحات وبالعلماء الذين غيّروا وجه الحضارة، وكأن الزمن توقف عندهم. لم ندرك أن الأمم لا تقاس بماضيها بل بحاضرها ومستقبلها. الغرب درس علومنا وأضاف عليها وطورها، أما نحن فاكتفينا بقراءة كتب التاريخ دون أن نكتب تاريخاً جديداً.

وكيف يمكن لأمة تعيش تحت أنظمة قمعية، تكمم الأفواه وتحارب الفكر الحر وتهمش الكفاءات، أن تتقدم؟ إن غياب الحرية والشفافية والعدالة جعل المجتمعات العربية والإسلامية تعيش في دوامة من الفساد والجهل والفقر، بينما الأمم الأخرى جعلت من الديمقراطية والعدالة أساس نهضتها.

بينما استثمر الغرب في البحث العلمي والتعليم الحديث، أهملنا نحن العلم الحقيقي. مدارسنا وجامعاتنا تنتج شهادات لا عقول، ومناهجنا عقيمة لا تواكب العصر. صرنا نستهلك التكنولوجيا التي ينتجها غيرنا بدلا من أن نبدعها بأنفسنا.

ولم يعد عدونا الخارجي هو الخطر الأكبر، بل أصبحنا نحن عدو أنفسنا. الصراعات المذهبية والقبلية والحزبية، مزقت جسد الأمة إلى أشلاء. أمة ممزقة لا يمكن أن تنهض، بينما الغرب رغم اختلاف أعراقه وأديانه توحّد على مصالحه ومشاريعه الكبرى.

وبكل آسف أغلقنا عقولنا على اجتهادات قديمة، ومنعنا السؤال والابتكار بحجة الخوف من الفتنة. فصار الدين عند البعض أداة لإسكات العقول لا لإحيائها. في المقابل، الغرب جعل حرية الفكر أساساً للبحث والاختراع، فحلق في الفضاء، واخترق الذرة، وصنع الذكاء الاصطناعي.

نحن أمة الله حقاً، لكننا اخترنا أن نكون “المتخلفة في الأرض”. تخلفنا ليس قدراً، بل نتيجة لاختيارنا السير عكس سنن الله في الكون. فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إذا أردنا أن نلحق بركب الأمم، فعلينا أن نعود إلى القرآن كمنهج حياة، لا ككتاب للزينة، وأن نحرر العقول من قيود الجهل والاستبداد، وأن نبني حضارة جديدة قائمة على العلم، الحرية، والعدل.

فالأمم لا تنهض بالدعاء وحدها بل بالعمل والإرادة والإيمان الحق.

الكاتب من الأردن

 

قد يعجبك ايضا