فادي السمردلي يكتب: حرباء المصالح عدو صامت يفتك بالأوطان
بقلم فادي زواد السمردلي. ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
حرباء المصالح ليست مجرد استعارة عابرة أو توصيفًا ساخرًا، بل هي كائن واقعي يتسلل بيننا بألف قناع، يتنفس الكذب كما يتنفس الهواء، ويتقن فن التلون كأن حياته مرهونة به فهذا النمط من البشر يذوب في كل مشهد ويخرج منه بوجه جديد، لا لشيء إلا ليحصد ما يريده ويهرب تاركًا خلفه ركامًا من الخداع والخذلان إنهم ليسوا بشرًا بالمفهوم النقي، بل آلات للمنفعة الباردة، لا يربطهم بالصدق عهد، ولا يشدهم إلى الوفاء قيد، بل كل ما يعرفونه هو المصلحة العارية، تلك التي يعبدونها كما يعبد الجاهل صنمه.
حرباء المصالح لا يثبت على موقف، فإن كانت القوة معك سارع ليصفق لك ويبارك خطواتك، وحين تنقلب الريح تجده أول من يلعنك وأول من يرفع ضدك الرايات فهذا الكائن يعيش بانكسار داخلي، لكنه يحاول تغطيته بحيل الكلام ودهاء التلون، متوهمًا أنه أذكى من الجميع وهو في الحقيقة تافه، هشّ، جبان، يعرف في أعماقه أنه لا يملك شجاعة الوقوف بمبدأ، ولا كرامة الارتباط بموقف صادق فوجوده نفسه جريمة بحق العلاقات الإنسانية، لأنه يلوثها بالخداع ويحولها إلى صفقات باردة بلا روح.
الوجه الأخطر لحرباء المصالح أنه يلبس قناع الأخلاق وهو أبعد ما يكون عنها، يلوك كلمات عن الشرف والنزاهة والوفاء، بينما يتقن الطعن من الخلف وبيع أقرب الناس بثمن بخس فيبتسم في وجهك ويضع يده في يدك، لكن في داخله حسابات ضيقة تحصي كم سيربح منك ومتى سيقذف بك بعيدًا ومن يتعامل معه يعيش دائمًا في منطقة رمادية، فلا يعرف هل الكلمة صادقة أم فخ، ولا يدرك إن كان العناق دفئًا أم التفاف حبل حول الرقبة.
هذه الحرباء لا تنتشر في فراغ، بل تتكاثر حين يضعف المجتمع وتخور فيه القيم، فتجد لها موطئ قدم في السياسة حيث الانتهازية فنّ يلبس ثوب الشرعية، وفي الإدارة حيث التملق طريق للترقي، وفي العلاقات اليومية حيث المصلحة تسبق المشاعر والصدق يصبح سلعة بائرة والأخطر أنها تغيّر مفهوم النجاح، فتصوره وكأنه حيلة تُقتنص بالتمويه لا ثمرة جهد وتعب فحين يترعرع جيل كامل على رؤية الانتهازيين وهم يجنون الثمار، بينما الصادقون يتعثرون، فإنه يتعلم أن البقاء ليس للأصلح بل للأكثر تلونًا.
ومع ذلك، حرباء المصالح مهما تلونت، لا تستطيع أن تخدع الزمن كله. قد تكسب بعض المواقف وتنتصر في بعض المعارك الصغيرة، لكنها تسقط دائمًا في امتحان التاريخ، لأن الوجوه الكاذبة تتعرى مهما طال الزمن، ولأن الخيانة لا يمكن أن تكتب مستقبلًا مشرفًا فمواجهة هذه النماذج ليست ترفًا أخلاقيًا، بل ضرورة وجودية لحماية المجتمعات من الانهيار فإن تكاثروا يعني أن يتحول كل شيء إلى سوق قذرة، تُشترى فيها الولاءات وتباع فيها المبادئ، وتصبح العلاقات مجرد عقود مؤقتة تحكمها لحظة المصلحة.
لا بد من أن يُفضح هؤلاء بلا هوادة، وأن تُرفع عنهم الأقنعة بصرامة، وأن يُكشف زيفهم دون مجاملة فلا يكفي أن نلعنهم في السر ونسايرهم في العلن، فالتسامح مع حرباء المصالح خيانة مضاعفة، لأنه يرسخ ثقافة الانتهازية ويمنحها شرعية ومن هنا، فإن أول الطريق لبناء مجتمع نظيف هو طرد هذه الكائنات من مواقعها ، وإحكام القبضة الأخلاقية على كل من يتلوّن كالأفعى، حتى يفهم الجميع أن الوفاء ليس ضعفًا، وأن الثبات ليس غباءً، بل هو أساس الكرامة الإنسانية.
بهذا الوعي، يمكننا أن نُحاصر حرباء المصالح حتى تنكشف حقيقتها، ونمنعها من أن تتحول إلى نموذج يتكرر، لأن تركها تعيش بيننا بسلام يعني أن نفتح الباب واسعًا للفوضى والانحدار فهي عدو صامت، لكنها أخطر من أي عدو معلن، لأنها تبتسم وهي تغرس السم ولا خلاص لمجتمع يطمح للنقاء إلا بمواجهتها بالحقيقة العارية، وبسحق الأقنعة التي تتخفى خلفها، وبترسيخ أن الثبات على المبدأ هو وحده الطريق للكرامة والبقاء.
الكاتب من الأردن