شهيدُ الإنسانيةِ والإسلامِ — الشهيدُ الأقدَسُ حسنُ نصرالله رضوانُ الله عليه
بقلم / طوفان الجنيد — كاتب وناشط سياسي ….
مقدمة
بدايةً، لا يَسَعُنا إلّا أن نرفَعَ أسمى آياتِ التعازيِ والمواساةِ إلى الأمةِ الإسلاميّةِ جمعاءً بفقدانِها الزعيمَ القائدَ الشهيدَ الأقدَسَ، شهيدَ الإنسانيّةِ والإسلامِ، سماحةَ السيدِ حسنَ نصرالله رضوانُ الله عليه. ونُبَعثُ بهذهِ التعازيِ ونُخصُّ بها قيادةَ حزبِ اللهِ وأمينَه العامَّ الشيخَ نعيمَ قاسم، وكافةَ أعضاءِ الحزبِ الجهاديِّ وكوادرِهِ المجاهِدينَ الأبطالِ، وإلى سماحةِ السيدِ القائدِ العلمِ قائدِ معركةِ النفسِ الطويلِ سيدي ومولاي عبدَالملكِ بنِ بدرالدينَ الحوثي رضوانُ الله عليه — حفظهُ الله وأدام ظله وعِزَّه. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وإنا للهِ وإنا إليهِ راجعون.
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
النشأةُ والولادة:
وُلِدَ سماحةُُ السيدِ العظيمِ البطلِ الحيدريِّ حسنُ نصرالله — رضوانُ الله عليه — في أغسطسَ من العامِ 1960م، في قريةٍ متواضعةٍ، مسقطُ رأسِهِ في حيِّ «الصقلاوين» شرقيَّ العاصمةِ اللبنانيةِ بيروت.
وينتمي إلى أسرةٍ متديِّنةٍ ومتواضعةٍ من قرى منطقةِ البقاعِ في لبنان؛ ووالدهُ هوَ السيدُ عبدُ الكريمِ نصرالله.
الدراسةُ والانتقالُ إلى النجفِ الأشرفِ:
بعد أن أظهرَ نبوغًا وتفوُّقًا في دراستهِ الأكاديميةِ والشرعيةِ في بيروت، انتقلَ إلى مدينةِ النجفِ الأشرفِ في العراق عامَ 1976م لمواصلةِ دراسةِ العلومِ الدينيةِ في الحوزةِ العلمية. هناكَ تَتَلَمَّذَ على يدِ كبارِ العلماءِ، وأبرزِهم آيةُ اللهِ السيدُ محمدُ باقرِ الصدر — رضوانُ الله عليه — الذي كانَ لهُ تأثيرٌ عميقٌ في تشكيلِ شخصيتِهِ الفكريّةِ والجهاديّةِ. وبسببِ الظروفِ السياسيةِ في العراقِ آنذاك، اضطرَّ للعودةِ إلى لبنان عامَ 1978م قبلَ إكمالِ دراستهِ العليا (مرحلةِ الخارج).
انخراطُ السيدِ القائدِ في العملِ الجهاديِّ والتنظيميِّ:
بعد عودتِهِ إلى لبنان، انضمَّ إلى النواةِ الأولىِ من مجموعةِ الشبابِ المؤمنِ بتوجيهاتِ الإمامِ موسى الصدر، والتي شكّلتْ لاحقًا نواةَ حزبِ الله.
برزَ سيدُنا — رضوانُ الله عليه — كقائدٍ طبيعيٍّ ومنظّمٍ بفضل علمِهِ وتقوّاهُ وتفانيهِ. وتولّى مسؤولياتٍ تنظيميةً وعسكريةً متقدّمةً في صفوفِ الحزبِ خلال سنواتِ التأسيسِ الأولى وأثناءَ مواجهةِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ للبنان.
تولّيهُ الأمانةَ العامةَ (1992):
بعد استشهادِ الأمينِ العامِّ السابقِ، السيدِ عباسِ الموسوي، في فبرايرَ 1992 على يدِ الجيشِ الإسرائيليِّ، تمَّ انتخابُ السيدِ حسنِ نصرالله أمينًا عامًا لحزبِ الله في مايوَ 1992، وكانَ في ريعانِ شبابهِ (32 عامًا).
وأصبحَ بذلك أصغرَ أمينٍ عامٍّ للحزبِ، والقائدَ الروحيَّ والسياسيَّ والعسكريَّ للمقاومةِ الإسلاميّةِ في لبنان.
أبرزُ محطّاتِ قيادتهِ — رضوانُ الله عليه:
1- تحريرُ الجنوب (2000): قاد عملياتِ المقاومةِ الإسلاميةِ (حزبِ الله) التي أجبرتِ جيشَ الاحتلالِ الإسرائيليِّ على الانسحابِ من معظمِ الأراضي اللبنانية في مايوَ 2000 دون قيدٍ أو شرط، وكانت أوّل هزيمةٍ عسكريةٍ للكيانِ الصهيونيِّ في التاريخِ الحديث.
2- عمليةُ الوعدِ الصادقِ (2006): في 12 يوليوَ 2006 أسرتِ المقاومةُ جنديين إسرائيليين، وكانت العمليةُ الشرارةَ التي أشعلت حربَ تموز 2006 التي استمرت 33 يومًا. بقيت هذه الحربُ علامةً فارقةً في تاريخهِ بقيادتهِ، إذ صمدَ حزبُ الله أمامَ آلةٍ عسكريةٍ هائلةٍ، وألزمَ إسرائيلَ بهزيمةٍ معنويةٍ وعسكريةٍ، وفشلَتِ في تحقيقِ أهدافِها المعلنةِ.
3- معادلةُ الردع: أصبحَ السيدُ نصرالله الرجلَ الذي فرضَ معادلةَ ردعٍ استراتيجيّةٍ مع إسرائيل، فصارَ لحزبِ الله قدرةٌ على الردِّ على أيِّ عدوانٍ، مما حافظَ على لبنانَ لسنواتٍ طويلةٍ.
وامتدّت قوَّةُ الردعِ إلى المحيطِ الإقليميِّ كقوّةٍ رئيسيةٍ في محورِ المقاومة، ودعمَ القضيةَ الفلسطينيةَ وسوريا في مواجهةِ المشاريعِ التقسيميةِ والإرهابِ التكفيريِّ.
من أقوالِه — رضوانُ الله عليه:
«اقتلونا تحت كلِّ شجرٍ ومُدَرّ وتحبُّ أبوابَ العتبةِ الحسينةِ، فإني لا أهابُ الموتَ ونحن أبناءُ أبا عبد الله الحسين، عشَّاقُ الشهادةِ والاستشهادِ، وهيهاتَ منا الذلّة.»
وقال أيضًا: «لا تستطيعُ أيُّ قوّةٍ ولا أيُّ جيشٍ أن يأخذَ منا ساحتنا ما دام الدمُ يجري في عروقنا مهما كانت قوّتُه.» وأضاف مخاطبًا الشعب: «وأنا أعاهدُكم يا شعبَ لبنانَ الأبيَّ أني لن أختمَ حياتي بالخيانةِ بل سأختمُها بالشهادةِ إن شاءَ الله.»
وعن مواجهةِ العدوِّ قال: «سنواجه العدوانَ الصهيونيَّ في الجنوبِ وفي الشمالِ وفي كلِّ مكانٍ يحاولُ الدخولَ إلينا.»
أما موقفُهُ من الحربِ اليمنيةِ مع تحالفِ الشرِّ والإجرامِ الصهيونيِّ الأمريكيِّ السعوديِّ الإماراتيِّ، فقد كان مشرفًا وعظيمًا ومؤازرًا منذُ الوهلةِ الأولى. ومن أقوالِه فيها: «حربٌ عربيةٌ على من؟
على اليمنيينَ العربِ الأَصِيلةِ — إن لم يكن الشعبُ اليمنيُّ من العرب فمن العرب؟
ليعلمَ العدوُّ الأمريكيُّ وأدواتُه أن في اليمنَ رجالًا لا يهابونَ الموتَ ويعشقونَ الاستشهادَ كما أنتم تحبّونَ الحياة. اليمنُ اليومَ أصبح قوةً أساسيةً وهامّةً في محورِ المقاومةِ والجهادِ، ولديه من القدراتِ العسكريةِ الحديثةِ والمتطوّرةِ ما سيصنعه محليًّا، كما لديه الجرأةَ على استخدامها.»
سلامُ ربي عليكَ يا سيدَ المقاومةِ والجهادِ والتضحيةِ.
الاستشهادُ والاصطفاءُ إلى الخلودِ الأبديِّ
عندما نقولُ عنه «الشهيدُ الأقدسُ» فلا نُجَمِّلهُ أو نُبالِغُ في تمجيدِهِ فحسب، بل نقصدُ القداسةَ للمكانةِ التي تربعَ بها في صدورِ المحبّينَ والموالينَ؛ فقد أحياهُ الله وخلَّدهُ في قلوبِ المؤمنين قبلَ استشهادهِ — رضوانُ الله عليه.
تاريخُ الاستشهاد: كانت الفاجعةُ العظيمةُ في السابعِ والعشرين من سبتمبرَ 2024م، الموافقَ 4 صفر 1447هـ.
ظروفُ الاستشهاد: استشهدَ السيدُ حسنُ نصرالله — رضوانُ الله عليه — خلال عمليةِ «الطوفانِ الأكبر» التي شَنَّتها المقاومةُ الفلسطينيةُ (كتائبُ القسامِ وغيرها) ضدَّ الكيانِ الصهيونيِّ في 7 أكتوبرَ 2023م، حيث كانَ لهُ دورٌ محوريٌّ في التخطيطِ والدعمِ اللوجستيِّ والعسكريِّ لهذهِ العمليةِ التاريخية.
طريقةُ الاستشهاد: تمَّ استشهادُه وفوزهُ بالخلودِ والحياةِ العظيمةِ والنعيمِ المقيمِ نتيجةَ غارةٍ جويةٍ جبانةٍ إسرائيليّةٍ متعمدةٍ استهدفتْه شخصيًّا في أحدِ المواقعِ التي كانَ يتواجدُ فيها للقيادةِ الميدانيةِ ومتابعةِ العملياتِ الداعمةِ للمقاومةِ الفلسطينية.
خلاصةٌ:
لقد كانَ السيدُ القائدُ — رضوانُ الله عليه — بالنسبةِ للمؤمنينَ والمجاهدينَ الأحرارِ مدرسةً جهاديةً ومنارةً قياديةً حيدريةً لا يسعُنا أن نَوصِفَها أو نتطرّقَ إليها بكاملِ ما تستحقُّه.
وباستشهادهِ تركَ جرحًا عظيمًا في قلوبِنا لا يَندملُ، وأشعلَ في قلوبِ كلِّ مجاهدٍ نارًا لا توصفُ نحوَ الكيانِ الغاصبِ، فكانت ثورةً جهاديّةً وقادةً مَعهِدَةً على حملِ الرايةِ وامتشاق السيفِ والانطلاقِ نحوَ تحريرِ الأقصى وإزالةِ الكيانِ.
تركَ السيدُ حسنُ نصرالله — رضوانُ الله عليه — إرثًا ضخمًا كقائدٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ استثنائي، جمعَ بين الفِكرِ العميقِ والقيادةِ الحكيمةِ والشجاعةِ النادرةِ والزهدِ في الدنيا.
كانَ رمزًا للمقاومةِ والكبرياءِ العربيِّ والإسلاميِّ، وأثبتَ أن إرادةَ الشعوبِ أقوى من أعتى الجيوشِ. بقيت كلماته خالدةً في قلوبِ المؤمنين، وأبرزُها: «إذا خيرونا بين أن نكون أو لا نكون، فنحن نختار أن نكون.»
سلامُ اللهِ عليكَ يا سَيِّدَنَا وقائدَنَا؛ ما الليلُ إذا غشى وما النهارُ إذا تجلّى — والعهدُ منا إليك يا شهيدَنا الأقدسُ أن نصونَ عهدَك ونحمي ثأركَ ونحفظَ وصيّتكَ ونمضيَ على خطاكَ.
«رحمَ اللهُ شهيدَنا البطلَ هاشمَ صفي الدين — رضوانُ الله عليه — الذي كانَ مثالَ الثباتِ والإخلاصِ، وسيظلُّ اسمهُ منارةً يَهتدي بها المجاهدونَ في دربِ الحقِّ والنصرِ.»
الكاتب من اليمن