فادي السمردلي يكتب : البهلوان وجه يتقلب على إيقاع المكاسب

بقلم فادي زواد السمردلي  …

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

البهلوان، في صورته الأولى، كان مجرد مؤدٍّ في سيرك صغير، يتفنن في القفز والالتواء وصناعة الدهشة بألعاب جسدية مبهرة، يثير إعجاب الجمهور لبعض الوقت ثم يغادر بلا أثر. لكن المشهد اليوم تغيّر فالبهلوان لم يعد محصورًا في الخيمة الملونة، بل تسلل إلى حياتنا اليومية، متخفياً في ثياب متعددة الماركات وحتى الحياة الاجتماعية. صار البهلوان شخصية نمطية تثير الضيق أكثر مما تثير الدهشة، لأنه لم يعد يستعرض جسده بل يستعرض مواقفه، ولم يعد يقفز في الهواء بل يقفز بين المصالح والولاءات، مغيرًا وجهه كما يغير المهرج أقنعته.

هذا البهلوان المعاصر لا يحتاج إلى حبال أو أدوات، بل يكفيه لسان مرن ووجه مهيأ للتلون. إنه يعلن اليوم موقفًا حادًا ثم ينقلب غدًا إلى الضد، يتشدق بالمبادئ ساعة، ثم يطأها بقدميه ساعة أخرى فالبهلوان هنا ليس لاعبًا في سيرك، بل هو متسلق بارع في تحويل الخداع إلى وسيلة عيش. يبيع الوهم للجمهور على شكل شعارات براقة أو خطابات مؤثرة، ويجني من ورائها مكاسب لا يستحقها، بينما يدفع الناس ثمن هذا الخداع.

البهلوانات الذين يسكنون حياتنا العامة يعرفون جيدًا أن الجمهور يتأثر بالمظهر أكثر من الجوهر، وبالخطاب الصاخب أكثر من الفعل الحقيقي لذلك تجدهم بارعين في رفع أصواتهم، وفي ارتداء أقنعة البطولة والنزاهة، لكن حقيقتهم لا تتجاوز كونهم مؤدين يبحثون عن التصفيق. يثيرون ضجة مؤقتة، يسطعون كالألعاب النارية للحظة، ثم يتركون خلفهم دخانًا كثيفًا يخنق كل شيء. إنهم أشبه بالممثلين الذين يتقمصون أدوار البطولة، بينما في الواقع لا يملكون شجاعة مواجهة لحظة صدق واحدة.

إن خطورة هؤلاء البهلوانات لا تكمن فقط في تلوّنهم الدائم، بل في قدرتهم على الحصول على مكاسب لم يسعوا إليها بجدارة فمن خلال هذه الاستعراضات الزائفة، يصلون إلى مواقع لم يتعبوا في بنائها، ويحصلون على مناصب لم يسعوا إلى استحقاقها بالعمل، بل بالقدرة على خداع الجمهور. والنتيجة أن المجتهدين الصادقين يظلون في الصفوف الخلفية، فيما يتصدر المشهد أصحاب الحركات البهلوانية والوعود الكاذبة.

غير أن جمهور اليوم لم يعد بالبساطة التي كان عليها بالأمس صحيح أن البهلوان قد يخدع الناس لبعض الوقت، لكنه لا يستطيع أن يخدعهم إلى الأبد فالجمهور الذي يصفق له اليوم قد يكتشف غدًا أن كل ما رآه لم يكن بطولة ولا مهارة، بل مجرد حيلة لإلهائه وعندها يسقط البهلوان سقوطًا مدويًا، لأن حياته كلها قائمة على التصفيق، فإذا حُرم منه سقط بلا حول ولا قوة.

البهلوان الحقيقي مكانه السيرك، وهناك يؤدي دوره بلا ادعاء، أما بهلوانات المصالح فمكانهم خارج المشهد ووجودهم في أي موقع جاد يفسد كل شيء، لأنهم يحولون الواقع إلى تهريج، والإعلام إلى استعراض، والثقافة إلى شعارات خاوية فالمجتمع الذي يترك البهلوانات يتصدرون المشهد يخسر الكثير يخسر قيمه، يخسر وعيه، ويخسر ثقته في كل من يتحدث باسمه.

إن مواجهة هؤلاء لا تكون بالصمت أو التصفيق، بل بالوعي والقدرة على كشف الأقنعة. فحين يعرف الناس حقيقة البهلوان، لن يصفقوا له، ولن يسمحوا له بأن يقفز فوق رؤوسهم إلى الأبد وعندها فقط، يعود البهلوان إلى مكانه الطبيعي: مجرد مؤدٍّ عابر لا يملك أي تأثير حقيقي، سوى لحظة تسلية قصيرة لا تدوم.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا