فادي السمردلي يكتب:الطبل الأجوف أكثر ضجيجًا

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

الطبل الأجوف أكثر ضجيجًا، هكذا هي الحقيقة التي تفرض نفسها في كل زمان ومكان، مهما تغيّرت الوجوه وتبدلت الأقنعة فهناك دائمًا أولئك الذين يملؤون الفضاء بالصوت العالي، بالعبارات المنمقة والوعود الرنانة، بينما داخلهم خواء لا يملكه إلا الفراغ فهم كالرعد في ليلة جافة، صاخبٌ يملأ الأفق، لكنه لا يحمل معه قطرة مطر واحدة ويظنون أن الضجيج يُغني عن الفعل، وأن الحنجرة قادرة على أن تزرع ما لا تقدر عليه الأيدي فهؤلاء يتقنون فن الادعاء، يرفعون شعارات كبرى تتدلى من أفواههم كرايات الانتصار، لكن حين يحين وقت العمل، تنكشف الحقيقة المرة فلا إنجاز، لا أثر، لا عمق… فقط كلمات جوفاء تذوب في الهواء كما يذوب الصدى في الفراغ.

هؤلاء الناس يعيشون على وهج الظهور، يسكرهم الصخب كما يسكر الوهم صاحبه.فيعتقدون أن الكثرة في الكلام تخلق وزنًا، وأن ارتفاع الصوت يمنحهم هيبة، لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا فكلما ارتفع الصوت بلا مضمون، انكشف العجز، وبدت الهشاشة أوضح فالصوت العالي لا يصنع المجد، بل يفضح الضعف، لأن من يملك الفعل لا يحتاج إلى الضجيج ليُثبت نفسه فالعظماء لا يصرخون، ولا يتباهون، بل يتركون بصمتهم في صمت وأعمالهم تتحدث عنهم بلسان الواقع، لا بطنين الكلمات.

من يتحدث كثيرًا عن القيم نادرًا ما يطبقها، ومن يرفع راية النزاهة بصوتٍ مرتفع غالبًا ما يخفي خلفها شيئًا يخاف أن يُكشف فالطبل الأجوف لا يُحدث ضجيجًا لأنه قوي، بل لأنه فارغ وهذا ما يجعلنا نرى في كل ميدان، وفي كل مكان، من يتحدث باسم الحق ولا يعرف معناه، ومن يدّعي البطولة وهو أول من يهرب من ميدانها، ومن يتقن الشعارات أكثر مما يتقن الفعل فهذه الشخصيات تصنع ضجيجًا دائمًا، لأنها لا تملك سوى الصوت.فتحيا في الضوء الزائف الذي تصنعه كلماتها، لكنها تموت في أول اختبار للواقع.

الفرق بين القول والفعل هو الفاصل بين الحقيقة والزيف، بين من يصنع أثرًا ومن يصنع صدى فالفعل يحتاج إلى إرادة وصبر وصدق، أما الكلام فلا يحتاج إلا إلى لسان طليق ووجهٍ جريء لا يعرف الخجل فلذلك نجد أن أكثر من يرفع صوته بالوعود هو أقل من يفي بها، وأكثر من يتحدث عن الإنجاز هو أبعد الناس عن ساحته لإنهم يعيشون في عالمٍ من الادعاء، يهربون من صمت الحقيقة إلى ضوضاء الوهم، لأن الصمت مرآة تكشف ما بداخلهم من فراغ.

ولو تأملنا التاريخ، لوجدنا أن الضجيج كان دومًا سمة الضعفاء، أما العظماء فقد مرّوا في هدوءٍ يشبه السكون قبل الفجر، يحمل في طياته ولادة النور فالفعل الصادق لا يحتاج إلى إعلان، والإنجاز الحقيقي لا ينتظر تصفيقًا وحدها الأوعية الفارغة تحتاج أن تُقرع ليُسمع صوتها، أما الممتلئة فصوتها خافت لأن قيمتها في داخلها، لا في الصدى الخارج منها.

في النهاية، يبقى المشهد مكررًا أصوات ترتفع، شعارات تتطاير، ووجوه تتحدث بلا فعل ولكن الزمن لا يرحم، والحق لا يصمت. فحين تسكن الأصوات ويهدأ الغبار، يبقى من ترك أثرًا حقيقيًا، لا من صنع ضجيجًا عابرًا فيبقى من عمل بصمت، لا من صاح في العدم.فتعلم أن الصوت العالي لا يصنع القيمة، وأن الطبل الأجوف وإن دوّى في الآذان، فلن يُسمع في ذاكرة الحقيقة، لأن ما يُخلد ليس الصوت… بل الفعل.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا