قوَّةُ المقاومةِ وثباتُها في الميدانِ هي الرَّحمُ الذي وُلِدَتْ منه الدبلوماسية
✍️ طوفان الجنيد ….
المقاومةُ ليست فكرةً مدنيةً أو غايةً عابرة، بل هي أمرٌ تعبديٌّ يتماشى مع الحكمةِ الإلهيةِ في الحياة، والعيش بعدالةٍ متساويةٍ وأمانٍ وسلامٍ لجميع المخلوقات: البشريةِ والحيوانية، وتنفيذًا للتوجيهاتِ الإلهيةِ التي أوجبها الله على عباده لإقامةِ الدين وحمايةِ المستضعفين، بقوله تعالى:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
والمقاومةُ كمثلِ شجرةٍ باسقةٍ متجذّرةٍ في أرضِ الصبر، تُسقى بدماءِ التضحيات، وتُرعى بعزائمِ الأبطال، والتاريخُ ملآنُ بالأمثلة.
وسنتحدثُ هنا عن المقاومةِ الفلسطينية ومعركتِها الأخيرة مع الكيانِ الإسرائيلي: (معركة طوفان الأقصى).
فالمقاومةُ الفلسطينية، على مرِّ التاريخ، لم تكن مجرّدَ ردةِ فعلٍ عادية، بل صناعةٌ للواقعِ النضالي الذي قرأنا عنه وعايشناه في الآونةِ الأخيرة منذ السابعِ من أكتوبر 2023 وحتى اليوم.
لا تُقاسُ قوّةُ المقاومةِ بحجمِ العدّةِ والعتادِ العسكري فحسب، بل بمدى العزيمةِ وقوةِ الإرادةِ الإيمانية، وجذورها المتشبّثةِ في وجدانِ الشعب، وشرعيتها الأخلاقية والسياسية، وقدرتها على التحمُّل.
فعندما ترفضُ مجموعةٌ من الناسِ الانصياعَ للهزيمة، وتواصلُ نضالها بشتى السبل لسنواتٍ أو حتى لعقود، فإنها لا تدافعُ عن وجودِها فحسب، بل تُعيدُ رسمَ خريطةِ القوى في الصراع.
إنَّ الجيوشَ الغازيةَ قد تُحقِّقُ انتصاراتٍ تكتيكية، لكنها تفشلُ في كسرِ الإرادةِ والعزيمةِ والثباتِ والإيمانِ بعدالةِ قضيةِ المقاومة. وهذا الفشلُ هو البوّابةُ التي تدخلُ منها الدبلوماسية.
كيف فتحت المقاومةُ الفلسطينية البابَ للدبلوماسية؟
عندما رسمت المقاومةُ الفلسطينيةُ خططَها وتكتيكاتِها العسكرية لعمليةِ السابعِ من أكتوبر، كانت تدركُ أنَّ الأهدافَ الاستراتيجية ستكونُ بالغةَ التأثير وباهظةَ الكلفةِ عليها وعلى العدوِّ المحتلّ.
فخططت لمعركةِ استنزافٍ كبيرةٍ للعدو، بالاشتراكِ مع وحدةِ الساحات في محورِ المقاومة، الذي ما يزالُ يمنُ الإيمانِ والحكمةِ صامدًا وثابتًا في المعركة، وأسهمَ إسهامًا عظيمًا على جميع الأصعدة: العسكريةِ والاقتصاديةِ والسياسية.
ولعامينِ كاملين، أدركَ العدوُّ الصهيوني أنَّ حسمَ المعركةِ عسكريًّا مستحيل، وقد كلفته خسائرَ فادحةً لم يعد يستطيعُ تحمُّلها، فبدأ بالبحثِ عن مخرجٍ “سياسيٍّ” من هذا المأزق.
لقد نجحت المقاومةُ الفلسطينية، ومعها الإسنادُ اليمني، في كسرِ هيبةِ الجيشِ الإسرائيلي، ومعه الأسطورةُ التاريخيةُ للقوةِ الأمريكية وتكنولوجيتُها المُبجَّلة.
كلُّ هذه الوقائعِ على أرضِ المعركةِ شكّلت المادةَ الخامَ للمفاوضاتِ الدبلوماسيةِ القائمةِ اليوم في القاهرة، بعد أن أيقن العدوُّ أنه لا يمكنُ القضاءُ على المقاومةِ الفلسطينية، ولا يستطيعُ تحريرَ أسراه بالقوّة.
خاتمة: المقاومةُ والدبلوماسيةُ وجهانِ لعملةٍ واحدة:
العلاقةُ بين المقاومةِ والدبلوماسيةِ علاقةٌ طرديةٌ لا عكسية؛ فكلما ازدادت قوّةُ المقاومةِ وثباتُها، ازدادت قوّةُ الدبلوماسيةِ وجديّتُها.
المقاومةُ تزرع، والدبلوماسيةُ تحصد.
المقاومةُ تخلقُ ميزانَ القوى، والدبلوماسيةُ تضعُ هذا الميزانَ في إطارِه القانونيِّ والسياسي.
ولذلك، عندما نرى مفاوضاتٍ تجري أو اتفاقياتٍ تُوقَّع، يجب أن ننظرَ خلفَ الكواليس لنرى سنواتٍ من الصمودِ والتضحياتِ هي التي أجبرت قوى الشرِّ والإجرامِ والإرهاب على طلبِ الحوارِ والخضوعِ للدبلوماسية.
إنَّ قوةَ وثباتَ المقاومةِ هي اللغةُ التي يفهمها العالم، وهي المقدمةُ الحتميةُ لأيِّ دبلوماسيةٍ ناجحةٍ وذاتِ مصداقية.
الكاتب من اليمن