فادي السمردلي يكتب: إجت الخيل تحذي قام الفار مدّ رجله قراءة في وهم العظمة

بقلم فادي زواد السمردلي ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

المثل الشعبي العميق “إجت الخيل تحذي، قام الفار مد رجله” ليس مجرد عبارة طريفة تُقال للتندّر أو المزاح، بل هو نصٌّ اجتماعي فاضح يعرّي واقعاً بشرياً يتكرر في كل زمان ومكان فواقع أولئك الذين يزاحمون الكبار في الميدان دون مؤهلات، ويتطفلون على موائد القرار وهم لا يملكون من أدواته شيئاً وهذا المثل يُطلق كسيفٍ ساخرٍ على رقاب المتشدقين بالبطولة، أولئك الذين يظهرون في لحظات الجدّ وكأنهم أصحاب الكلمة، بينما هم في حقيقتهم مجرد متفرجين يركبون موجة الأحداث ليتزينوا ببريقٍ لا يخصهم.

حين نقف عند صورة المثل، نرى مشهداً بالغ الذكاء في تصوير المفارقة “الخيول جاءت لتحذى”، فهي خيولٌ حقيقية، جُبلت على الركض والسباق، على العمل والإنجاز، تستحق أن تُهيأ بأدوات القوة لتواصل طريقها في الميدان وفي المقابل، يقف الفأر الصغير، ذاك الكائن الذي لا يملك إلا الخوف والاختباء، فيمد رجله ليتلقى ما تتلقاه الخيل! يا للسذاجة، ويا للادعاء والمثل لا يكتفي بوصف الموقف بل يسخر من الجرأة الفارغة، من ذلك الغباء الذي يجعل الصغير يتوهم أن تقليد الكبار يمنحه مكانة بينهم.

وهنا تتجلى عبقرية المثل في كونه مرآة للواقع فكم من فارٍ معاصر نراه اليوم يمد رجله بين الخيول؟ كم من شخصٍ لا يملك قراراً ولا بصمة، لكنه يندسّ بين أصحاب النفوذ ليبدو وكأنه أحدهم؟ كم من شخص بلا رؤية، ولا كفاءة، أو مثقفٍ بلا فكر، يزاحم أصحاب القدرات ويتصدر المشهد بجرأة الجهل وثقة الفراغ؟ هؤلاء هم الفئران الذين تمد أرجلها كلما رأت فرصةً لالتقاط الضوء، ظانين أن الضوء سيصنع منهم نجوماً.

إن المثل لا يتحدث عن ضعف القدرات فحسب، بل عن الادعاء الكاذب، عن تلك الرغبة المحمومة في التزييف والتمثيل فالإنسان الذي لا يملك القرار، حين يحاول أن يبدو صاحب قرار، لا يخدع إلا نفسه. فهو يعلم في قرارة ذاته أن الكلمة ليست له، وأن موقعه في الحقيقة لا يتجاوز حدود الصمت، لكنه يتمسك بالوهم كغريقٍ يتمسك بقطعة خشب فيملأ الدنيا كلاماً، يكثر من الإيماءات، يتحدث بلغة المنتصرين، ويتبختر كأنه القائد الملهم، بينما الواقع يعريه في أول اختبار.

في اللحظات المفصلية، حين تتباين المواقف وتُقاس الأحجام، يختفي الصغار كما تختفي الفئران في جحورها عند أول صوتٍ مرتفع وأما الكبار، أصحاب الفعل والقرار، فهم الذين يقفون بثباتٍ لأنهم يعرفون وزنهم ويثقون بخطاهم. أولئك هم الخيول التي تُحذى لأنها تستحق فالمثل لا يهاجم الصغار لأنهم صغار، بل لأنهم يتقمصون أدواراً ليست لهم، لأنهم يلوثون المشهد العام بادعاءاتهم ويشوّهون صورة الجدية بالتطفل والتصنع.

إن محاولة بعض الناس التسلل إلى مواقع القرار دون كفاءة أو تجربة ليست سوى امتداد طبيعي لظاهرة “مدّ الرجل” التي صورها المثل. وكل مجتمع يفسح المجال لمثل هؤلاء، يفقد هيبته وتنقلب موازينه، إذ تُصبح الأصوات العالية بديلاً عن العقول، ويُستبدل الفعل بالثرثرة، ويُكافأ الادعاء بدلاً من الإنجاز. والنتيجة أن تتحول الخيول الأصيلة إلى مجرد متفرجات على سيرك الفئران المتقمصة أدوار الأبطال.

لذلك، فإن “إجت الخيل تحذي، قام الفار مد رجله” ليس مثلًا ساخرًا وحسب، بل تحذيرًا لاذعًا لكل من يحاول أن يخطو في ميدانٍ لا يعرفه، ولكل من يظن أن الهيبة تُكتسب بالتمثيل لا بالفعل فالميدان لا يحتمل الأقنعة، والقرارات لا تصدر عن منابر الصغار. الخيل وحدها تُحذى لأنها خُلقت لتجري، أما الفأر، فلو لبس حدوات الذهب، سيظل فأرًا يركض نحو الجحور، لا نحو المجد.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا