*من ” الدين الإلهي” إلى “البيت الإبراهيمي”: كيف يُعيد محمد بن زايد إنتاج مشاريع خلط الأديان لغايات سياسية
د.أحمد العرامي ….
شهد التاريخ الإسلامي محاولات اختراق يهودية لخلط العقائد تحت شعارات التسامح، ولعل أبرزها تجربة السلطان المغولي جلال الدين أكبر في القرن السادس عشر. بدأ أكبر بمشروع «بيت العبادة»، ثم طوره إلى «الدين الإلهي»، وهو خليط انتقائي من الإسلام والهندوسيةواليهودية والمسيحية، زاعمًا أن هدفه هو تحقيق الوحدة. ولقد عدّهُ علماء عصره هذا المسعى انحرافًا صريحًا عن عقيدة التوحيد، وابتداعًا في الدين يهدف لخدمة سلطته السياسية. وقد انتهت التجربة بالفشل وماتت بموت صاحبها، لتكون عبرة تاريخية عن مصير المشاريع التي تتلاعب بثوابت الدين.
وفي عصرنا الحديث، تتجسد هذه الرؤية مجددًا ولكن بأدوات مختلفة في مشروع «البيت الإبراهيمي»، الذي يُعد تتويجًا لتوجهات سياسية يقودها رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد. يُمثل هذا المشروع، الذي يجمع مسجدًا وكنيسة وكنيسًا، خطوة رمزية تحت غطاء “الأخوة الإنسانية”، لكنها في جوهرها تعكس أجندة سياسية محددة تهدف إلى تسويق نموذج من “الإسلام ” الذي يتماشى مع المصالح الغربية وسياسات التطبيع مع العدوالصهيوني.
إن وضع الأديان الثلاثة في مستوى واحد من الصدق والمرجعية لا يتناقض فقط مع عقيدة الإسلام التي تؤكد أن الدين عند الله هو الإسلام، بل يخدم أيضًا هدفًا سياسيًا وهو نزع أي شرعية دينية لمعارضة سياساته.
إن التسامح في الإسلام مبدأ أصيل لا يحتاج لمنشآت عمرانية تفرضه، فقد ضمن الإسلام حقوق غير المسلمين وأرسى قواعد التعايش العادل دون الحاجة للتنازل عن الثوابت. الخطر الحقيقي في مشاريع مثل «البيت الإبراهيمي» يكمن في كونه أداة لتذويب العقائد وتحويل الدين من رسالة إلهية إلى مجرد فولكلور ثقافي يمكن تطويعه وتشكيله ليناسب الأهواء السياسية للقائد.
من منظور إسلامي، لا تتحقق الوحدة الإنسانية بدمج الأديان، بل بالعودة لرسالة التوحيد الصافية. فالمشاريع التي يتجاوز أساسها هذا المبدأ، كتلك التي يدعمها محمد بن زايد، تظل محاولات تخدم أجندة شخصية لتحسين صورته على الساحة الدولية، أكثر مما تخدم القيم الإيمانية. وكما فشل “دين أكبر” الإلهي في تحقيق أي وحدة حقيقية، فإن «البيت الإبراهيمي» يبقى، رغم زخرفه، مجرد محاولة لتحويل الدين إلى أداة دبلوماسية في خدمة أهداف سياسية بحتة، لا هداية ربانية.
خلاصة القول، إن الإسلام يُميز بوضوح بين التعايش المشروع الذي يأمر به، وبين الخلط الممنوع للعقائد. وإن المبادرات التي يقودها الشيخ محمد بن زايد، وإن غُلّفت بغطاء الإنسانية والتسامح، تتعارض في نظر الكثيرين مع مقاصد الشريعة، لأنها تستخدم الدين كجسر عبور لتحقيق غايات سياسية. فالثوابت لا تُساوَم، والحق لا يُقاس بمشاريع ضخمة تهدف إلى فرض رؤية سياسية فردية، بل بمدى الالتزام بكلمة التوحيد التي هي أساس السلام الحقيقي.
الكاتب من اليمن