غياب إيران عن قمة شرم الشيخ: دبلوماسية أم تعصب؟

شبكة الشرق الأوسط نيوز  : اثار غياب ايران ورفضها الصريح عن المشاركة في قمة شرم الشيخ التي عقدت لرسم خارطة لمستقبل غزة تحليلات عدة لكن ما كان واضحا للملئ ان ايران لا تجلس على طاولة واحدة مع ناكثي العهود الذي يحاولون طمس جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني بمساعي لسلام مزيف.

وكالة مهر للأنباءـ القسم الدولي: ترسم قمة شرم الشيخ خارطة لمستقبل غزة، لكن إيران لن تكون طرفًا فيها، لأنها عُقدت فقط لإضفاء الشرعية على خطة قائمة على تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني. تجدر الإشارة إلى أن إيران دُعيت إلى هذه القمة لتكون بمثابة “إحماء للجلسة ” لا للمشاركة في صنع القرار أو حتى اتخاذه فعليًا.

رغم قبول حماس بشروط وقف إطلاق النار، أعلنت عدم مشاركتها في القمة، لعلمها التام بأنها ستُعقد لإقرار خطة تهدف إلى نزع سلاح حماس وإلغاء دورها في مستقبل غزة. تتماشى هذه العملية مع الاستراتيجية الأمريكية لإحلال السلام بالقوة؛ وهي استراتيجية تُرسّخ عمليًا سيادة إسرائيل على مصير غزة، وليس من الواضح متى ستكون إسرائيل مستعدة للانسحاب الكامل من المنطقة. ستُؤجل هذه العملية لسنوات حتى قيام الدولتين.

وعليه، فإن حضور إيران في مثل هذا الاجتماع يعني مواكبة، بل وقبول، في نهاية المطاف، خطة لا تُسهم في تهدئة الصراعات بين الفلسطينيين وإسرائيل فحسب، بل تُفاقمها أيضًا. وحتى لو غيّرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نهجها ، وهو أمرٌ مستحيل، وأعلنت رسميًا على سبيل المثال، اعترافها بإسرائيل وترك القضية الفلسطينية لشعبها، فلن تتمكن من المشاركة في مثل هذا الاجتماع إلا إذا حصلت على بعض التنازلات في المقابل على الأقل. من منظور الواقعية الدفاعية، فإن مشاركة إيران في هذا الاجتماع ليست سوى لعبة على أرض الواقع التي رسمتها الولايات المتحدة؛ وذلك دون أي نتائج تتماشى مع المصالح الوطنية.

ردًا على من يعتقدون أن على إيران التخلي عن سياسة “الكرسي الفارغ” وحضور الاجتماعات الدولية لشرح سياساتها، لا بد من القول: لا تُتاح لإيران فرصة فعّالة لعرض آرائها في هذا الاجتماع. لماذا؟ من الواضح: إما أن تُسلّ سيفها الناقد هناك وتُعبّر عن جميع الفظائع المُرتكبة بحق الشعبين الفلسطيني والغزّي خلال العامين الماضيين، والتي، بالنظر إلى تركيبة الدول المدعوة، ستُعزل تمامًا، وسيُدمّر حتى الجوّ الإيجابي الذي خلقه بيان وزارة الخارجية الذكي بشأن قبول وقف إطلاق النار في غزة؛ أو أن تكتفي بإصدار تصريحات عامة وغامضة وإطراءات دبلوماسية، تكون نتيجتها موافقة ضمنية على نتائج المؤتمر.

لذا، فإنّ سياسة “الكرسي الفارغ” خاطئة في الاجتماعات التي يكون جدول أعمالها نتاج عمل مشترك لجميع الأعضاء؛ لكن هذا المبدأ لن يُجدي نفعًا في اجتماع شرم الشيخ، الذي تُملي الولايات المتحدة جدول أعماله مُسبقًا.

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى سلسلة التطورات التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية، لا تملك إيران مجالًا للمناورة في شرم الشيخ، وليست في وضع يسمح لها بتقديم مبادرة جديدة في مثل هذا الاجتماع حيث يكون كل شيء مُحددًا مُسبقًا. إذا أرادت إيران وكانت قادرة على ذلك، فعليها أن تبادر بعقد اجتماعات في إطار منظمة التعاون الإسلامي، على سبيل المثال في القاهرة؛ ربما في مثل هذا الاجتماع، وبالتعاون مع دول أخرى، يُمكن خلق مساحة جديدة للتعاون بين الدول الإسلامية دعماً للشعب الفلسطيني – وليس بالضرورة حركة حماس.

وأخيراً، يعلم الخبراء جيداً السبب الرئيسي لغياب إيران عن الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة. رسالة وزير الخارجية ليست سوى ذريعة دبلوماسية لا يقبلها الخبراء. السبب الحقيقي لعدم مشاركة إيران في مثل هذا الاجتماع هو احترام حقوق الشعب الفلسطيني؛ لأن هذا الاجتماع يتجاهل في نهاية المطاف حقوق الشعب الفلسطيني في مستقبل غزة، ويُرسّخ الهيمنة الإسرائيلية على مناطق تُعتبر محتلة وفقا للأمم المتحدة.

دوافع الجمهورية الإسلامية لعدم حضور شرم الشيخ

لماذا لم تستجب الجمهورية الإسلامية لدعوة الأمريكيين ولم تشارك في اجتماع شرم الشيخ؟ قال البعض إنه كان عليها أن تذهب وتصرخ، بينما رأى آخرون أنها فرصة لتخفيف العقوبات. لكن أسباب معارضة إيران واضحة، وكل منها مبني على العقل والخبرة والإعلام.

أولاً، عالم اليوم هو عالم الصور والرأي العام. وقف إطلاق النار في غزة كان أيضًا نتاجًا لهذا الرأي العام، وليس بفضل أمريكا. والآن، ترامب، الذي أُجبر على قبول وقف إطلاق النار تحت ضغط الدول، يريد أن يُظهر نفسه كداعم للسلام. إن حضور إيران في قمة شرم الشيخ يعني إضفاء الشرعية على عرض النصر للمهزومين. لا ينبغي استخدام إيران للترويج لرجل دعم نتنياهو وقتل الأبرياء لسنوات.

ثانيًا، هذا الاجتماع تحريف واضح لمفهوم السلام. ترامب ليس صانع سلام، بل أُجبر على التراجع. ما يُقدم اليوم على أنه اتفاق سلام هو نتيجة مقاومة الشعب الفلسطيني وفضيحة الكيان الصهيوني لدى الرأي العام، وليس مبادرة من واشنطن. إن حضور إيران في هذا الاجتماع يعني تأكيد الرواية المقلوبة التي خلقتها أمريكا من الحقيقة.

ثالثًا، هناك تناقض واضح في سلوك الغرب. أمريكا تهدد إيران وتفرض عقوبات جديدة في الوقت نفسه، لكنها تتوسل لحضورها في الاجتماع. لأنه بدون إيران، لا يوجد نظام سياسي جديد في المنطقة له شرعية. هذه الدعوة ليست من باب الاحترام، بل من أجل استغلال وسائل الإعلام لإظهار أن طهران تلعب ضمن إطارهم المصمم.

رابعًا، الصراخ في مشهد يكون فيه الميكروفون في يد العدو ليس صراخًا. لم يُشاهد أو يُسمع أبدًا حضور إيران واحتجاجها في الاجتماعات التي تديرها أمريكا. بل ستُشوّه أو يستهزأ بها. لكن عدم المشاركة هو الرسالة نفسها؛ الفضيحة من خلال الصمت.

خامسًا، تدعم إيران السلام الحقيقي، لا السلام الاستعراضي. سلامٌ تُعرّفه حماس: انسحاب الكيان الكامل من غزة، ووقف القصف، وإطلاق سراح الأسرى، ورفع الحصار. يسعى اجتماع شرم الشيخ إلى عكس هذه الحقيقة؛ اجتماعٌ يُصبح فيه المحتل هو البطل والمقاومة هي المتهمة. إن عدم مشاركة إيران هو دفاعٌ عن حقيقة السلام واستمرارٌ لمنطق المقاومة.

المصدر  : وكالة مهر

قد يعجبك ايضا