*الصهاينة العرب: النشأة، الخلفية، المظاهر، الأثر والنتيجة*

د.أحمد العرامي   ….

 

منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، ظهر تيار فكري وسياسي داخل الوطن العربي يحمل توجهات متماهية مع المشروع الصهيوني، يُعرف اصطلاحًا بـ”الصهاينة العرب”. هذا المفهوم يشير إلى نخب فكرية وسياسية وإعلامية عربية تبنّت سردية كيان العدو الإسرائيلي وسعت لتبرير وجوده وتطبيع العلاقات معه على المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية.
تعود جذور الظاهرة إلى ما بعد النكبة، حين بدأت بعض الأنظمة العربية تعيد تعريف أولوياتها الداخلية على حساب القضية الفلسطينية. ومع تصاعد الهزائم العربية، خاصة بعد نكسة 1967، ظهرت أصوات تُحمّل الفلسطينيين مسؤولية الإخفاق، وتدعو إلى “التعايش” مع العدو الصهيوني بدعوى الواقعية السياسية.
لكن التحول العميق حدث بعد اتفاقية “كامب ديفيد” عام 1978، حيث فتح النظام المصري الباب رسميًا للتطبيع، وتحوّل خطاب بعض النخب من العداء إلى التبرير والترويج لخطاب “السلام مقابل التنمية”.
في التسعينات عمّق “اتفاق أوسلو” هذا المسار، وأفرز نخبة عربية جديدة ترى في العدو الإسرائيلي شريكًا اقتصاديًا وأمنيًا.

تتجلى الصهيونية العربية في عدة مستويات:

المستوى السياسي: تبنّي مشاريع تطبيعية رسمية، وفتح قنوات اتصال علنية وسرّية مع كيان العدو الإسرائيلي تحت شعارات “السلام الإقليمي” و”محاربة الإرهاب”.

المستوى الإعلامي: انتشار خطاب يبرّر جرائم الاحتلال بحجة “حق الدفاع عن النفس”، ويُشيطن المقاومة الفلسطينية واللبنانية باعتبارها “مليشيات متطرفة”.

المستوى الثقافي والفكري: الترويج لما يسمى “التحرر من فوبيا إسرائيل”، واعتبار العداء التاريخي مع الكيان ناتجًا عن “خطاب قومي متكلّس”. كما يقدم العدو الإسرائيلي في بعض الأعمال الأدبية والدرامية كنموذج متطور مقابل “تخلّف” المحيط العربي.

المستوى الاقتصادي: توقيع اتفاقيات تجارية وزراعية وأمنية مع شركات العدو الإسرائيلي، تحت غطاء “التعاون التقني” أو “التحالف ضد الخطر الإيراني”.
أدى صعود الصهيونية العربية إلى إضعاف الموقف العربي الموحد تجاه القضية الفلسطينية، وتفكيك الجبهة الشعبية المناهضة للاحتلال. كما أسهمت في تطبيع الوعي الجمعي لدى جزء من الأجيال الجديدة التي لم تعايش الحروب السابقة، مما خلق حالة من اللامبالاة أو الحياد تجاه جرائم كيان العدو الإسرائيلي.
على الصعيد الإقليمي، سهّلت هذه الظاهرة اختراق العدو الإسرائيلي للمنظومات الاقتصادية والأمنية العربية، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والاستخبارات، مما منحها تفوقًا استراتيجيًا غير مسبوق.

أنتجت ظاهرة الصهيونية العربية تحوّلاً خطيرًا في الوعي الجمعي العربي؛ إذ لم يكن كيان العدو الإسرائيلي عدو، بل كشريك محتمل.
هذا التحول أضعف الممانعة الشعبية، وشرعن الانقسام الداخلي، وأفقد العرب قدرتهم على تشكيل مشروع حضاري مستقل.
لكن في المقابل، أعادت انتفاضات الشعوب العربية والتفاعل الواسع مع قضايا المقاومة — خاصة بعد معركة “طوفان الأقصى” 2023م ومباركة الإسناد وخاصة معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس — التوازن إلى الوعي العربي، حيث تراجع الخطاب التطبيعي وبرزت موجة جديدة من الوعي المقاوم تكشف زيف “السلام المزيّف” وتؤكد أن التطبيع لم يجلب إلا مزيدًا من التبعية والانكشاف.

الصهاينة العرب هم نتاج تزاوج بين الانتهازية السياسية والانكسار الفكري، وظيفتهم تخدير الوعي الجمعي وتبييض صفحة الاحتلال. غير أن التاريخ أثبت أن هذا التيار مؤقت، وأن كل موجة تطبيع تتبعها موجة مقاومة تعيد تصحيح البوصلة نحو فلسطين باعتبارها القضية المركزية للأمة.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا