فادي السمردلي يكتب: أحزاب الأقوال بلا أفعال عناد الموتى في جسد السياسة
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
في عالمٍ يفيض بالشعارات ويتناقص فيه الفعل، تبرز ظاهرة أحزاب الأقوال بلا أفعال كأحد أخطر أمراض الحياة السياسية المعاصرة، فهي كالأجساد التي فقدت روحها، تتحرك بلا وعي، وتنطق بلا معنى، وتعيش على رفات الوعود القديمة التي لم تولد يومًا إلى واقعٍ ملموس فهذه الأحزاب، التي تتزين بالخطب الرنانة والبيانات المكررة، لا تختلف في عنادها عن الموتى الذين لا يسمعون ولا يتكلمون، بل يرفضون الحياة ذاتها وعنادهم لا ينبع من قوة المبدأ أو صلابة الموقف، بل من جمودٍ فكري واستسلامٍ نفسي يجعلهم أسرى للماضي، غير قادرين على التفاعل مع الواقع أو استشراف المستقبل.
تعيش هذه الأحزاب في حالة انفصالٍ تام عن الناس، عن همومهم اليومية وعن أحلامهم البسيطة، حتى غدت السياسة على أيديهم مسرحًا للتمثيل لا ساحةً للعمل فيملؤون الدنيا وعودًا وقت الانتخابات، يتحدثون عن الإصلاح والعدالة والتنمية، ثم ما إن يعتلوا مقاعد السلطة أو يتحصلوا على موطئ قدمٍ في مؤسسات الدولة، حتى يصيبهم الصمم والعجز، فينقلب خطابهم إلى صمتٍ باردٍ يشبه صمت المقابر فيرفعون الشعارات لا لأنهم يؤمنون بها، بل لأنهم يحسنون المتاجرة بها، فهي رأسمالهم الوحيد في سوقٍ السياسة
ولا يقتصر خطر هذه الأحزاب على فشلها في تحقيق وعودها، بل يتعدى ذلك إلى تدمير ثقة الشعوب في السياسة نفسها فحين يرى المواطن أن الأقوال لا تثمر أفعالًا، وأن الوجوه ذاتها تكرر الوعود ذاتها كل دورةٍ انتخابية، يُصاب باليأس، وينسحب من المشاركة العامة، تاركًا الساحة للعبث وهكذا، تصبح هذه الأحزاب شريكةً في موت الوعي الجمعي، لأنها تُميت في الناس روح الأمل، وتزرع بدلها اللامبالاة والخوف من التغيير فعنادها يشبه عناد الموتى في قبورهم فلا يسمعون صوت الحياة من حولهم، ولا يبالون بصرخات من يطلبون النهوض، فهم مستسلمون لجمودهم، راضون بعجزهم، متمسكون بمكانهم كأنهم يخشون النور الذي قد يفضح فسادهم.
ولو تأملنا سلوك هذه الأحزاب لوجدنا أنها تتقن لغة المراوغة أكثر من إتقانها لغة العمل فهي بارعة في رسم الخطط على الورق، في تشكيل اللجان، وإصدار البيانات الطويلة التي لا تُثمر سوى مزيدٍ من الجدل والملل ولكنها، حين يُطلب منها التنفيذ، تتوارى خلف الأعذار مرةً بحجة الظروف، ومرةً باسم “الواقعية السياسية”، وثالثةً بذريعة “التمهّل والتدرج”. وهكذا تستمر في دورانها العقيم، تُدير الزمن ولا تُديره، وتستهلك الثقة العامة كما تستهلك النار الحطب.
إن الأحزاب التي تكتفي بالكلام هي نقيض الحياة، لأنها تفقد جوهرها الإنساني المتمثل في الفعل فالفعل هو ما يُعطي المعنى للقول، وبدونه يصبح الخطاب زيفًا والوعود خديعة والأخطر من ذلك أن استمرار هذه الأحزاب على هذا النهج يخلق جيلًا جديدًا من السياسيين المقلدين، الذين يرون في الكذب والمواربة وسيلة للبقاء، وفي الوعود الفارغة طريقًا للشهرة والمناصب وهكذا يُعاد إنتاج الفشل جيلًا بعد جيل، حتى يتحول الوطن إلى مسرحٍ كبيرٍ للتمثيل السياسي، بلا إخراج ولا جمهور.
إن مواجهة هذه الظاهرة لا تكون بالاستنكار اللفظي فحسب، بل بخلق ثقافةٍ جديدة تحاسب ولا تبرر، تراقب ولا تُصفق، تؤمن بأن السياسة ليست فن الكلام بل فن العمل فالأوطان لا تُبنى بالخطب بل بالجهد، ولا تُصان بالبيانات بل بالإنجازات، ولا تنهض بشعاراتٍ من ورق بل بسواعدٍ تعرف قيمة الفعل وإذا كانت هذه الأحزاب تشبه الموتى في عنادها، فإن على الشعوب أن تكون الحياة التي تُجبرها على التغيير، أو تُزيحها عن الطريق لتفتح المجال أمام من يملكون الإرادة الحقيقية للنهوض.
ففي النهاية، لا يُذكر في التاريخ من تحدث كثيرًا، بل من عمل بإخلاص والأحزاب التي تكتفي بالكلام ستذوب مع الوقت، كما تذوب الكلمات على ألسنة الريح، أما من يعملون بصمتٍ وصدقٍ فستبقى آثارهم شاهدة على أن الحياة تنتصر دائمًا على الجمود، وأن الفعل الصادق هو اللغة الوحيدة التي لا تموت.