تَعِجُّ الشاشات بالنعيق… وتسقط الأخلاق على قارعة الطريق
بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي.
……………….
يا لَحُزن الحياء ، ويا لَهَول الأدب
ما كنتُ أعتقد أنني سأعيش حتى أرى اليوم الذي تُستبدَل فيه المجالس بالشاشات والتلفونات ، وتُرمى فيه الأخلاق على مشاجب “الترند”، ويُصبح فيه العُريُ فكراً، والوقاحة شجاعة، والرذيلة وجهة نظر!
كأنّ القوم قد مسَّهم شعوذة أو مسّ جنون من الجهل، أو كأنهم قومٌ خُلقوا وتولدوا من ضوء الشاشات لا من بطون الأمهات العفيفات الطاهرات ، فاستوحشوا من المعروف، واستأنسوا بالفاحشة، بل تراهُم يتهافتون على قضايا العُهر كما يتهافت ذباب الغور على جُرحٍ نازف.
لقد شاهدت ذات يوم من يدعون بأنهم اعلاميون يتنادون في القنوات:
“تعالوا نحدّثكم عن الفقر، كيف يدفع الفتيات إلى بيع أجسادهن!”
فقلت في نفسي : البين يطسكم وفالج يفلجكم !
أتظنّون الفضيلة تُبنى على كشف العورة؟
أو أن ستر المجتمع يكون بفضحه؟
وكأنهم يعتقدون أن الأخلاق شجرةٌ تُسقى بالنجاسة!
ثم جاء إعلامي آخر، يُمسك كأسًا بيدٍ، ووطنًا باليد الأخرى، ويقول:
“دعونا نفتح أبواب الكازينوهات، فإن فيها عزًّا لاقتصادنا، ورفعةً لسياحتنا!”
يا سبحان الله! وهل بلغت بنا الحماقة أن نُدخل الرزق من أبواب الخمر؟
أفما قرأ هؤلاء أن الميسر والخمر رجسٌ من عمل الشيطان؟ أم أنهم ألحدوا
وتجاوزوا كل المعتقدات الدينية
واتخذوا الشيطان خبيرًا اقتصادياً؟
وليس هذاا فقط ، بل شاهدت أخرون يبررون، ويفلسفون، ويجعلون من الانحراف وجهة نظر قابلة للنقاش!
حتى صارت وسائل الإعلام سوقًا للفضائح، كلٌّ ينادي على بضاعته، وما البضاعة إلا قصص العهر، وأحاديث الغواية، وشتائم مبثوثة كالرصاص على كل ما تبقّى من حياء.
فأين ذهب التربويون؟
أين المربّون والمفكرون؟
أين صدى الكلمة الهادفة التي كانت تُقال في المجالس والمدارس والجامعات وبالفن الغنائي والتمثيلي وعلى كل وسائل الاعلام أين هي ؟ فكانت تُبكي الضمير وتُبقي للقلوب بقية من نور؟
أم تراهم قُتلوا في صمتٍ، فحلّ مكانهم المهرّجون وصنّاع الضجيج؟
أيها الأخوة والأحبة إن كانت هذه هي حرية التعبير، فاسجنوني في غياهب الجب ،او اخنقوني واشنقوني على صخور مغارات الصمت، فوالله ما عادت صدورنا تحتمل هذا الهُراء المُمَنهَج باسم “الوعي”، وما عادت آذاننا تميز بين الموعظة والمهزلة.
وإني -والله- لأخشى إن طال بنا المقام على هذا الحال، أن يُصبح الخنزير رمزاً للتحضر، والعاهر ناطقًا رسميًا باسم الفضيلة، والإعلامي مهرّجًا في سيرك الأمم.
فاكتموا عن الناس رذائلهم، واغسلوا وجوه الشاشات من هذا العار، وأيقظوا في الأطفال بقية فطرة… قبل أن يخرج علينا رضيع، يُعطي دروسًا في الطهارة، لقومٍ فقدوا ماء وجوههم، وظنّوه ترفًا لا حاجة لهم به.
الكاتب من الأردن