فادي السمردلي يكتب: الخطاب السياسي بين التجميل اللغوي والغياب العملي

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

 

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

الكلمات تتكلم والحلول تتالم ففي عالم السياسة، تتحول الكلمات أحيانًا من أداة للتواصل والتغيير إلى مسرحية عبثية تهدف إلى إبهار الجماهير، لكنها تخفي وراءها فراغًا كبيرًا لإن الاستعراض بالكلمات والمرادفات في الخطاب السياسي ليس سوى شكل من أشكال التلاعب الذي يُمارس على مسرح الحياة اليومية، حيث تُستخدم آلام المواطنين ومعاناتهم كوقود لغوي لتزيين الخطابات دون تقديم أي جديد فهذه الظاهرة تكشف عن أزمة عميقة في الفكر السياسي، حيث يتم استبدال الحلول الحقيقية بحيل لفظية وشعارات فارغة، مما يجعل السياسة أداة للهروب من الواقع بدلًا من مواجهته.

الخطاب السياسي الذي يعتمد على زخرفة الكلمات بدلًا من حمل حلول عملية يصبح عرضًا مسرحيًا يخلو من الإبداع فالسياسيون الذين يمارسون هذا النوع من الخطاب يشبهون الممثلين الذين يكررون نفس المشهد على خشبة مسرح مهترئة، يتظاهرون بالقدرة على التغيير بينما يختبئون خلف ستار اللغة فالكلمات الرنانة قد تُثير الحماسة مؤقتًا، لكنها سرعان ما تُصبح بلا قيمة عندما تصطدم بالواقع، فتتلاشى كسراب أمام أعين الناس الذين ينتظرون أفعالًا لا أقوالًا.

إن استخدام معاناة الناس كأداة تزينية يُفرغ الخطاب السياسي من معناه الحقيقي بدلًا من أن يكون وسيلة لحل المشكلات، ويتحول إلى أداة لإخفائها فهموم المواطنين تُختزل إلى شعارات، بينما تُهمَّش الحلول العملية التي يمكن أن تغير حياتهم فالسياسيون الذين يسيرون في هذا الطريق يثبتون عجزهم عن التجديد، حيث يكررون نفس الكلمات في كل مناسبة دون أن يقدموا رؤية واضحة أو خطة عمل محددة.

الخطاب السياسي الذي لا يتجدد يخلق فجوة عميقة بين السياسيين والجماهير وهذه الفجوة تتسع يومًا بعد يوم، حيث يدرك الناس أن الكلمات وحدها لا تكفي لحل مشاكلهم فالشعارات الرنانة قد تخدع البعض في البداية، لكنها سرعان ما تفقد بريقها عندما يتضح أنها لا تستند إلى أي رؤية استراتيجية وفي نهاية المطاف، يفقد الناس الثقة ليس فقط في الخطاب نفسه، بل في العملية السياسية برمتها، ويتحول الإحباط إلى حالة من اللامبالاة أو حتى الغضب.

الخطاب السياسي البعيد عن التجديد الملابس لواقعنا يشبه آلة قديمة متهالكة، تدور في مكانها دون أن تُحرّك شيئًا وفي عالم متغير مليء بالتحديات، فإن التمسك بهذا النمط من الخطاب يعكس عجزًا عن مواكبة العصر وفهم احتياجات الناس فالسياسة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي أفعال تُنفذ وحلول تُبتكر فالسياسيون الذين يكتفون بالكلمات يضعون أنفسهم في سجون الانكسار، حيث يظلون عالقين في دائرة مغلقة من الجمود، عاجزين عن الخروج منها نحو فضاء أوسع من الإبداع والتجديد.

إن الخطاب السياسي الذي لا يقدم جديدًا لا يقتصر ضرره على الحاضر فقط، بل يمتد إلى المستقبل، حيث يدمر الثقة بين الأجيال الصاعدة والسياسة فالجيل الجديد، الذي ينشأ في عالم مفتوح يتسم بالتغير السريع والتكنولوجيا المتطورة، لن يقبل خطابًا مكررًا خاليًا من الابتكار وإذا استمر السياسيون في إعادة إنتاج نفس الأفكار القديمة البالية بألفاظ جديدة، فإنهم سيحكمون على أنفسهم بالفشل في التواصل مع هذا الجيل، مما يُعرض مستقبلهم ومستقبل أوطانهم للخطر.

السياسة الحقيقية لا تكمن في الكلمات، بل في القدرة على تحويل هذه الكلمات إلى أفعال ملموسة فالسياسي الذي يقتصر على اللعب بالكلمات يعكس عجزًا فكريًا وشخصيًا عن مواجهة التحديات الحقيقية وبدون التجديد، يبقى الخطاب السياسي مجرد صدى باهت لماضٍ فقد صلاحيته، غير قادر على التكيف مع الحاضر أو المساهمة في بناء المستقبل.

في النهاية، يجب أن يعي السياسيون أن الناس لم يعودوا يقبلون الاستعراضات الفارغة فالشعوب تبحث عن أفعال تحمل في طياتها حلولًا حقيقية وآمالًا صادقة فالخطاب السياسي الذي يظل أسير الكلمات والمسرحيات اللغوية سيبقى حبيس سجون الانكسار، غير قادر على الخروج منها نحو آفاق جديدة إن مستقبل السياسة يعتمد على شجاعة التجديد والقدرة على تقديم رؤى صادقة تُحدث تغييرًا حقيقيًا في حياة الناس، لأن الكلمات وحدها، مهما كانت بليغة، لن تُحدث فرقًا إذا لم تتحول إلى واقع ملموس.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا