فادي السمردلي يكتب الغباء لا علاج له حين يتحول الجهل إلى كارثة تحاصر وتدمر المنظومة

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

الغباء لا علاج له، ليس لأنه مرض مستعصي فحسب، بل لأنه حالة فكرية ناتجة عن غياب الوعي ورفض التعلم وإدمان الخطأ بثقةٍ عمياء فالعقل الغبي لا يعجز عن الفهم بقدر ما يعجز عن الاعتراف بجهله، ولا يخطئ مرة واحدة بل يكرر الخطأ نفسه معتقداً أنه على صواب فحين يتفشى هذا النوع من العقول داخل أي منظومة – سياسية كانت أو إدارية أو اجتماعية – فإنها تبدأ بالانهيار البطيء، لأن الغباء حين يحتل موقع القيادة يتحول من عيب فردي إلى كارثة جماعية وأخطر ما قد تواجهه أي أمة أو مؤسسة هو أن يُمنح القرار لمن لا يدرك أبعاده، وأن تُسند المسؤولية لمن يجهل معناها، فهنا تبدأ رحلة الانحدار نحو الفوضى.

الغباء لا يظهر دائماً في شكل مباشر، بل يتجلى في صور متعددة في القرارات المتسرعة التي تفتقر إلى الدراسة، في سوء إدارة الموارد، في رفض الرأي الآخر، وفي تقديس الأشخاص على حساب الكفاءة فالقائد الغبي لا يسمع إلا نفسه، ولا يرى إلا ما يرضي غروره، لذلك تكون منظومته محكومة بالتخبط والتكرار، عاجزة عن التطور مهما توافرت لها الإمكانات فتحت قيادة كهذه، يفقد العاملون حماسهم، ويغيب الانتماء، وتُقتل روح الإبداع، لأن بيئة الغباء لا تحتمل التفكير المختلف ومع مرور الوقت، تتحول المنظومة إلى كيان مشلول، يعيش على الشعارات ويهرب من مواجهة الحقائق، حتى يسقط بفعل أخطاءه المتراكمة.

أما على مستوى المجتمع، فإن الغباء حين ينتشر يصبح أخطر من الفقر والمرض، لأنه يمنع الناس من رؤية الحقيقة ويجعلهم يتبعون كل من يرفع شعاراً أو يطلق وعداً زائفاً فالمجتمعات التي تُقصي العقول الواعية وتُعلي من شأن الجهلاء، تزرع بذور تراجعها بأيديها وحين يُهمش المفكر، ويُسخر من العالم، ويُمنح القرار لصاحب الصوت الأعلى لا العقل الأوسع، فحينها لا يمكن انتظار نهضة أو إصلاح قفي مثل هذه البيئات، يتحول اعلمهم إلى أداة تضليل، وادارتهم إلى سلسلة من المجاملات والولاءات والنتيجة أن تتآكل القيم، ويتراجع الإنتاج، وتغيب العدالة، لأن الغباء حين يُكرّس في المنظومات يصبح أقوى من أي نظام .

التأثيرات السلبية للغباء في القيادة والمنظومات لا تتوقف عند الأداء فقط، بل تمتد إلى القيم والسلوك الجمعي فحين يرى الناس أن من يجهل هو من يتصدر، تتشوه مفاهيم النجاح، ويُغرس الإحباط في النفوس فالكفاءات تهاجر أو تصمت، والعقول المبدعة تُحاصر، فيسود مناخ الخوف والتملق بدلاً من الحوار والإبداع ويصبح معيار الترقية هو الولاء لا الكفاءة، فيُكافأ التابع ويُقصى المستقل وهكذا تترسخ دائرة الغباء المؤسسي، التي يصعب كسرها كلما طال عمرها.

لكن، رغم أن الغباء لا علاج له على المستوى الفردي المباشر، إلا أن المجتمعات الذكية قادرة على تحجيمه والحد من آثاره فالعلاج لا يكون بتجميل الغباء أو التعايش معه، بل بخلق بيئة لا تسمح له بالاستمرار في القيادة فعلينا أن نحسن الاختيار منذ البداية من يتولى المسؤولية، ومن يُمنح الثقة، ومن يُسمح له بالتأثير في القرار فالإصلاح يبدأ من الوعي، ومن ترسيخ ثقافة التقييم الموضوعي، حيث تُقاس الكفاءة بالأداء لا بالمظهر، وحيث يُمنح المنصب للأجدر لا للأقرب وكذلك، يجب أن تُبنى المنظومات على مبدأ الشفافية والمساءلة، فحين يُحاسب المسؤول على قراراته، لن يجد الغباء مكاناً آمناً للاختباء كما أن التعليم الواعي، والإعلام المسؤول، ونشر ثقافة التفكير النقدي هي أدوات وقائية ضد تفشي الجهل والسطحية.

في النهاية، الغباء لا يُعالج لأنه ليس مرضاً جسدياً، بل عطب في الفكر والضمير، ولكن يمكننا أن نحاصر آثاره إن امتلكنا الوعي الكافي لنختار من يقود، وأن نحمي منظوماتنا من أن تقع رهينة للجهل. فالمنظومة الواعية هي التي ترفع من شأن العقل، وتُحسن الاختيار، وتسير بثبات نحو شاطئ الأمان، بينما المنظومة التي يسودها الغباء، مصيرها أن تغرق في بحر الظلام مهما حاولت التجديف وعلى قائد المنظومة ان يختار من يقود.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا