*الأطماع الصهيونية في اليمن: من الاحتلال البريطاني لعدن إلى معركة الفتح الموعود (1839–2025)*

د.أحمد العرامي  ….

موقع اليمن الاستراتيجي جعلها محل أطماع القوى الكبرى والصهيونية، لما يمثله من بوابة بحرية على واحد من أهم الممرات الدولية في العالم، باب المندب، الذي يتحكم بحركة التجارة والنفط بين الشرق والغرب. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر، برزت الأطماع الصهيونية في اليمن كجزء من المشروع الغربي العام للسيطرة على المنطقة العربية وممراتها الحيوية.
بدأت المؤشرات المبكرة لتلك الأطماع عام 1839م حين احتلت بريطانيا ميناء عدن بدعم من القوى الصهيونية الناشئة التي كانت ترى في السيطرة على جنوب الجزيرة العربية مقدمة لإحكام النفوذ على البحر الأحمر وخطوط التجارة المؤدية إلى الهند. لم يكن الاحتلال البريطاني لعدن مجرد عمل احتلالي بحت، بل جزءًا من استراتيجية صهيونية ـ غربية مشتركة تهدف إلى تطويق الجزيرة العربية وتهيئة الظروف لإنشاء كيان يهودي في فلسطين لاحقًا.
وفي عام 1912م جرى ما عرف بتقسيم اليمن بين الاحتلال في الجنوب والاحتلال العثماني في الشمال، وهو تقسيم يخدم المشروع الاحتلالي الغربي والصهيوني الذي كان يسعى إلى إضعاف اليمن ومنع قيام دولة موحدة قوية على ضفة البحر الأحمر الشرقية. ومع مطلع القرن العشرين، طُرحت مشاريع صهيونية لتوطين اليهود في بعض مناطق اليمن، إلا أن تلك المحاولات فشلت بسبب رفض اليمنيين القاطع وخوف القوى الصهيونية من المقاومة الشعبية الشديدة التي اشتهر بها أبناء اليمن.
لم تتوقف الأطماع الصهيونية عند ذلك الحد، بل تجددت خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، حيث سعى كيان العدو الإسرائيلي إلى مد نفوذه في البحر الأحمر من خلال تغلغله الاستخباراتي في دول القرن الإفريقي المقابلة للساحل اليمني، وخاصة في إريتريا وإثيوبيا، بهدف تأمين وجود عسكري دائم يمكّنه من مراقبة مضيق باب المندب والتحكم بخطوط الملاحة الدولية. وقد ازداد نشاط العدو في جنوب البحر الأحمر بعد حرب يونيو 1967م، حين أدرك كيان العدو الإسرائيلي أهمية السيطرة على هذا الممر في تأمين تجارتها ونفطها القادم من آسيا وإفريقيا.
وفي حرب أكتوبر 1973م، كان الموقف اليمني مشرفًا ومؤثرًا، إذ بادرت صنعاء إلى إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية، في خطوة استراتيجية أربكت العدو وأثرت على قدرته في دعم جبهات القتال في سيناء والجولان. ذلك الموقف التاريخي أكد مركزية اليمن في معادلة الصراع العربي ـ الصهيوني، وجعل العدو يضاعف جهوده لاحقًا لاختراق الساحة اليمنية والسيطرة على ممرها البحري الحيوي.
وفي هذا السياق، تزايدت التحركات الإسرائيلية في البحر الأحمر خلال السبعينيات، الأمر الذي دفع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي إلى الدعوة لعقد “قمة البحر الأحمر”، التي جمعت بعض الدول المطلة على هذا الممر الحيوي بهدف حماية أمنه واستقلاله من الأطماع الأجنبية. كانت هذه المبادرة الوطنية تهدف إلى تحييد البحر الأحمر عن الصراعات الدولية وجعله منطقة عربية خالصة، غير أن هذا التوجه اصطدم بمعارضة قوى إقليمية ودولية وعلى رأسها الكيان الصهيوني والسعودية التي تعاملت ببرود وتردد، وهو ما فُسر بأنه رضوخ للضغوط الأمريكية والإسرائيلية. ويرى كثير من الباحثين أن موقف الحمدي الرافض للتبعية ومبادرته لحماية البحر الأحمر كان أهم الأسباب الرئيسة وراء التآمر عليه واغتياله في عام 1977م.
وفي التسعينيات، لعبت الصهيونية العالمية دورًا خفيًا في دعم إريتريا لاحتلال جزر زقر وحنيش اليمنية، إدراكًا منها لأهمية تلك الجزر في مراقبة الممر الملاحي الدولي والتحكم به. ومع دخول القرن الحادي والعشرين، تصاعدت أطماع كيان العدو الإسرائيلي في اليمن من خلال التحالف مع قوى العدوان والاستكبار، حيث عملت على دعم مشاريع تفتيت اليمن، خصوصًا في الساحل الغربي، ضمن ما يسمى بمخطط “الشرق الأوسط الجديد” الذي يهدف إلى تقسيم المنطقة إلى كيانات ضعيفة يسهل السيطرة عليها.

إن ما يتعرض له اليمن منذ عام 2015م حتى اليوم ليس إلا استمرارًا لذلك المخطط الذي يشارك فيه كيان العدو الصهيوني بفاعلية، دعمًا للتحالف الغربي ـ الأمريكي ـ السعودي في حربه على الشعب اليمني. ورغم كل ذلك، أثبت اليمنيون صمودهم في وجه تلك المشاريع، وانتقلوا من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، وهي المعركة التي تبلورت ملامحها في أعوام 2023 و2024 و2025، حيث تصاعدت المواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني والولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر وفلسطين المحتلة.
تمثل هذه المعركة، في جوهرها، الرد التاريخي على قرنين من العدوان الغربي والصهيوني على اليمن والأمة العربية والإسلامية، وإعلانًا بأن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن أن تُكسر، وأن البحر الأحمر سيبقى عربيًا، واليمن سيظل الحارس الأمين لباب المندب ومفتاح العبور بين القارات.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا