*الزامل اليمني: من فلكلور القبيلة إلى التأثير الإقليمي ومحاولات الاستنساخ*
د.أحمد العرامي ….
الزامل اليمني هو أحد أقدم وأبرز الفنون الشعبية الشفهية التي تعبر عن هوية اليمنيين وروحهم الجماعية، وقد رافقهم في مختلف مراحل تاريخهم الاجتماعي والسياسي والقبلي. نشأ الزامل في البيئة القبلية اليمنية القديمة كفن شعري يُستخدم للتعبير عن المواقف البطولية، والفخر، والدعوة للسلم أو الحرب، والتهنئة والرثاء. يتميز بإيقاعه الجماعي وكلماته المختصرة المكثفة التي تُلقى بصوت قوي يوحد الصفوف ويثير الحماس.
هذا الفن لم يكن مجرد تسلية فنية، بل كان وسيلة تواصل اجتماعي وسياسي، يجسد الموقف الجمعي للقبيلة أو الجماعة في مواجهة الأحداث. تطور الزامل مع الزمن من كونه أداءً قبليًا في المواقف الحربية إلى أن أصبح جزءًا من الفلكلور الوطني اليمني، ثم تحوّل في العقود الأخيرة إلى خطاب تعبوي وإعلامي مؤثر في الصراع السياسي والعسكري.
في مرحلة العدوان على اليمن، لعب الزامل دورًا محوريًا في التعبير عن الصمود الشعبي، حيث انتقل من الساحات القبلية إلى وسائل الإعلام، ليتحول إلى أداة تعبئة معنوية ومقاومة ثقافية. وهنا برزت أهمية التوزيع الموسيقي الحديث الذي أعاد تقديم الزامل بروح معاصرة دون المساس بجوهره الشعبي.
وانتقل التأثير من المحلي إلى المستوى الإقليمي ويعد الموزع والملحن المصري حسن الشافعي من أبرز من تأثر وساهم في هذا التحول، إذ قام بإعادة توزيع عدد من الزوامل اليمنية وتقديمها بإيقاعات حديثة مع الحفاظ على نكهتها الأصيلة، ما منحها بعدًا إقليميًا وجذبًا عربيًا واسعًا.
تجاوز تأثير الزامل حدود اليمن ليصل إلى المنطقة الإقليمية، حيث بدأت بعض الشعوب العربية تتعرف عليه كفن مميز يعبر عن القوة والكرامة والمقاومة. كما لفت هذا الانتشار أنظار جهات فنية وإعلامية في دول الجوار، خصوصًا في السعودية التي حاولت في السنوات الأخيرة استنساخ نموذج الزامل عبر إنتاج أعمال مشابهة من حيث الإيقاع والموضوع، لكنها افتقرت إلى العمق الثقافي والأصالة اللغوية التي يتميز بها الزامل اليمني. فالأصل في الزامل أنه وليد بيئة اجتماعية متجذرة، لا يمكن تقليده ببساطة خارج سياقه التاريخي والروحي.
من هنا تبرز أهمية الزامل كتراث غير مادي يوثق وجدان اليمنيين، ويعكس قدرتهم على تحويل الشعر إلى سلاح معنوي وثقافي. إنه فن جمع بين الأصالة والحداثة، وانتقل من أداة محلية إلى رمزٍ إقليمي يعبر عن روح المقاومة والاعتزاز بالهوية، مؤكداً أن الثقافة الشعبية اليمنية قادرة على تجاوز الحدود والتأثير في الوجدان العربي العام.
الكاتب من اليمن