“غزة تحت الماء… والقيادة فوق الغمام ! ”
محي الدين غنيم …..
مع أول منخفض جوي يطرق أبواب الشتاء، انكشفت الحقيقة المؤلمة التي يحاول كثيرون تجاهلها: غزة غرقت… وخيام أهلها غُمرت بالماء قبل أن تُغمر بوعود المسؤولين.
مشاهد الأطفال وهم يرتجفون تحت أقمشة مهترئة، والنساء وهنّ يزيلن الماء من خيام لا تصلح لستر ريح، والرجال وهم يحاولون عبثاً حماية ما تبقى من حياة كلها صور تختصر حجم المأساة المتجددة.
ورغم أن الشتاء ليس مفاجأة، ورغم أن المعاناة ليست جديدة، إلا أن الصمت المطبق من حكومة غزة يثير أسئلة موجعة. كيف تغرق الخيام وأصحاب القرار ينعمون بدفء الفنادق وراحة المقاعد الوثيرة؟ كيف يواجه المدنيون البرد والمطر بلا مأوى، بينما تتحصّن القيادات خلف الجدران المحمية والغرف المدفّأة؟
كيف يغرق الشعب… بينما لا يغرق معهم أحد من أصحاب النفوذ؟
غزة التي تقف منذ سنوات في وجه القصف والحصار والجوع، كان يجب أن تقف أمام الشتاء على الأقل بحدٍّ أدنى من الاستعداد، بخطط تحمي الناس، بأنفاق تصريف، بخيام مقاومة للمطر، بجرّافات تفتح الطرق. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً: البنية التحتية معدومة، الاستجابة غائبة، والخطاب الرسمي لا يتجاوز بيانات باهتة لا تسمن ولا تغني من برد.
الناس في غزة لم يعد يُثقل كاهلهم المطر وحده، بل ظلم الإهمال، وعبء تجاهل الواقع، واستمرار معادلةٍ فادحة:
الحكم سلطة… والشعب وحده يدفع الثمن.
لقد أثبتت العاصفة الأخيرة أن الخطر الحقيقي ليس فقط في الطائرات التي تقصف أو الحدود التي تُغلق، بل في سلطةٍ عاجزة عن حماية أبسط حقوق الإنسان: المأوى والدفء والكرامة.
أهل غزة اليوم يستغيثون لا طلباً للشفقة، بل طلباً لحدٍّ أدنى من المسؤولية. يريدون قيادةً تشعر بآلامهم، لا تسكن بعيداً عنهم. يريدون عملاً حقيقياً على الأرض، لا شعارات تُقال في المؤتمرات.
هم لا يحتاجون إلى بيانات… بل إلى أغطية.
لا ينتظرون مؤتمرات… بل ينتظرون تصريف مياه.
لا يطلبون المستحيل… بل الحد الأدنى من الإنسانية.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة المرّة : غزة لم تغرق بالمطر… بل غرقت بالإهمال.
والشعب الذي صمد أمام القنابل لا يجوز أن يهزمه أول منخفض جوي.
الكاتب من الأردن