فادي السمردلي يكتب: لو تجسّدت الفكرة لاحتفلت رقصا بسقوط الفاشلين الهاربين

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

في كل منظومة متخبطة ، وفي كل بيئة تخشى المواجهة أكثر مما تخشى الخطأ نفسه، يولد ذلك النوع من البشر الذي يفضّل أن يدفن رأسه في الرمال، لا لأن الرمال مريحة، بل لأنها تمنحه وهماً بأنه في مأمن من الحقيقة فهؤلاء لا يهربون من الكتب لأنهم يكرهون القراءة، ولا يغلقون آذانهم لأن الصوت مرتفع، ولا يشيحون بوجوههم لأن الصورة باهتة فهم يفعلون ذلك لأن الحقيقة صادقة أكثر مما يستطيعون احتماله فالفكرة التي تهزّ قناعاتهم وتكشف فشلهم وضعف ادائهم ليست مجرد كلمات، إنها صفعة، ونبش لمناطق رخوة كانوا يحمونها بالإنكار، وكشف فجائي لمدى هشاشتهم التي قضوا عمراً كاملاً في تجميلها.

والمفارقة أن هذا الهروب الذي يتصوّرونه شجاعة صامتة، أو “تجاهل ناضج”، ليس سوى اعتراف واضح بأن الفكرة أقوى منهم فلو كانت الفكرة جسداً من لحم ودم، لكانت سترقص رقصة المنتصر، رقصة لا تحتاج إلى موسيقى إلا أنفاسهم المتقطّعة وهم يحاولون الهروب من مواجهة ما يعرفونه في أعماقهم فليس لأن الفكرة مغرورة، بل لأنها تعرف شيئاً لا يريدون الاعتراف به فلا أحد يهرب من شيء لا يؤذيه فالهروب اعتراف، والاعتراف هزيمة.

الألم الذي تسببه الحقيقة ليس لأنها قاسية بطبيعتها، بل لأنها تفضح ما نحاول إخفاءه فالفكرة المؤلمة هي تلك التي تقول لك إنك لست كما تتظاهر، وإن منظومتك التي تتمسّك بها ليست أكثر من قناع، وإن كل التبريرات التي تصنعها كي تنجو من مواجهة نفسك ضعيفة وتصدأ بلمسة واحدة من ضوء الحقيقة وهؤلاء الهاربون يعرفون جيداً أن قراءة فقرة واحدة قد تهزّهم من الداخل أكثر من ألف خطبة، وأن مشهدًا واحدًا أمام وجوههم قد يهدّ الجدار الذي قضوا سنوات يبنونه لحماية كبريائهم المتضخّم.

لذلك يختارون الهروب فيختارون الصمت ويختارون ألا يقرؤوا، وألا يسمعوا، وألا يروا فليس لأنهم لا يستطيعون، بل لأنهم يعلمون أنه إن هم فعلوا، لن يبقى لديهم مهرب فالإنسان يقدر على حمل الجهل، لكنه نادرًا ما يحتمل حمل الحقيقة فالجهل خواء لكنه مريح، والحقيقة ممتلئة لكنها ثقيلة على من اعتاد الانحناء فالفكرة التي تخيفهم ليست جلاداً، بل مرآة. والمرآة لا تؤلم إلا المشوّه.

ولو امتلكت الفكرة القدرة على الحركة، لوقفت في منتصف الطريق الذي هربوا فيه، ولابتسمت بثقة من يعرف أن الانتصار قد حُسم قبل أن تبدأ المعركة فكانت ستدور حولهم راقصة ، بخطوات فرحة مسموعة، تحمل اليقين وكانت سترقص لأن الهاربين منحُوها أكبر انتصار يمكن أن تحققه فكرة اعترافاً غير مباشر بأنها حقيقية، وأنها صادقة بما يكفي لتربكهم، وصادقة بما يكفي لتؤلمهم، وقوية بما يكفي ليديروا ظهورهم لها خوفاً من أن تصيبهم بعدوى اليقظة.

الهروب لم يكن حماية لهم فكان إعلاناً مدوياً أنهم أضعف من مواجهة ما كان يمكن أن ينقذهم. والفكرة؟ لو كان لها جسد… لرقصت.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا