فادي السمردلي يكتب: الرواتب التقاعدية بين الدستور والشعبويات

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

تشكل قضية رفع الرواتب التقاعدية للمدنيين والعسكريين ومتقاعدي الضمان الاجتماعي اختبارًا حقيقيًا لمستوى وعي النواب بالدستور وحدود سلطاتهم، ولقد أصبح هذا الملف محورًا للشعبويات السياسية التي تهدف إلى كسب تعاطف المواطنين بعيدًا عن الواقع القانوني فالتحليل الدقيق لهذه القضية يكشف تناقضًا صارخًا بين شعارات النواب وبين ما يسمح به الدستور، وخاصة المادة 112، التي تحدد بوضوح أن تحديد الرواتب التقاعدية لا يقع ضمن صلاحيات السلطة التشريعية، بل هو أمر منوط بالقوانين المالية والهيئات التنفيذية ذات الاختصاص فأي تجاوز لهذه الحدود ليس مجرد مخالفة إجرائية، بل يمثل تهديدًا للنظام المالي للدولة ولثقة المواطنين بالمؤسسات التشريعية.

من الناحية السياسية، يلعب بعض النواب على وتر العاطفة العامة، مستفيدين من الحاجة الملحة لمستوى معيشي لائق للمتقاعدين، والموظفين بأسلوب الشعبوية الذي يعتمد على وعود لا يمكن تنفيذها فهذه الاستراتيجية، رغم أنها قد تحقق مكاسب انتخابية قصيرة الأمد، إلا أنها تقوض الثقة بالمؤسسات وتخلق وهمًا لدى المواطنين بأن البرلمان يمتلك سلطات مالية مطلقة فالتحليل هنا يكشف خللاً جوهريًا بينما يسعى النواب للظهور كمحررين للرواتب والمعاشات، فإن الواقع الدستوري يفرض أن أي تعديل مالي خارج الإطار القانوني يشكل تعديًا على السلطة التنفيذية وعلى التوازنات المالية للدولة، وبالتالي فإن هذه الوعود لا تعدو كونها شعارات شعبوية لا قيمة عملية لها.

اقتصاديًا، أي تدخل غير محسوب في موضوع الرواتب التقاعدية يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات طويلة المدى على المالية العامة للدولة فزيادة الرواتب دون دراسة دقيقة للميزانية والإيرادات المتاحة تؤدي إلى اختلال في الموارد المالية، وقد تتسبب في تضخم أو زيادة الضغط على صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي، الأمر الذي يعيد المشكلة إلى المواطن نفسه، بدلًا من حلها فالتحليل الاقتصادي يوضح أن احترام الإطار القانوني ليس مجرد إجراء شكلي، بل ضرورة لضمان استدامة الحقوق المالية للمتقاعدين، ويؤكد أن السلطة التشريعية لا يمكن أن تعمل بمعزل عن الأجهزة التنفيذية المسؤولة عن التخطيط المالي.

من المنظور الاجتماعي، الشعبوية حول الرواتب التقاعدية تضر بالوعي المجتمعي، حيث تُصور أن الحلول تأتي بسهولة من البرلمان، بينما الواقع أن أي زيادة يجب أن تكون مدروسة، متسقة مع القوانين، ومستدامة على المدى الطويل فهذا التباين بين الواقع القانوني والوعود السياسية يؤدي إلى شعور بالإحباط عند المتقاعدين والمواطنين، وهو ما يخلق حالة من التوتر الاجتماعي والسياسي فالتحليل هنا يشدد على أن التوازن بين الحقوق المالية للمواطنين واحترام الإطار الدستوري هو السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي.

ختامًا، التحليل الشامل لهذه القضية يوضح أن الحديث عن رفع الرواتب التقاعدية يجب أن يكون مبنيًا على حقائق دستورية واقتصادية، بعيدًا عن الدعاية والشعارات الشعبوية فالمادة 112 من الدستور ليست نصًا شكليًا، بل حجر زاوية في تنظيم العلاقة بين السلطة التشريعية والمالية للدولة، وتحترم مصالح المتقاعدين على المدى الطويل فالنواب الذين يستغلون هذه القضية لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد لا يخدمون المواطن، بل يعرضون الاستقرار المالي والاجتماعي للخطر وعليه، يحتاج المواطن إلى وعي حقيقي بمحدودية صلاحيات النواب، بينما على البرلمان أن يركز على الرقابة والتشريع وفق الدستور، بدل الانجرار وراء مطالب شعبوية لا يمكن تنفيذها عمليًا فالتحليل هنا يؤكد أن الدستور ليس مجرد نص قانوني، بل هو الإطار الذي يحمي الحقوق المالية والاجتماعية للمواطنين ويمنع أي استغلال سياسي للقضايا الاقتصادية الحساسة.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا