السردية الأردنية والبعث الجديد

صفاء المجالي – ,,مبادرة مدرقتنا,,

……………………
ما من أمّةٍ كتبت لها الحياة، وسلكت سبيل النهوض، إلا وقد أمسكت بخيوط ماضيها، تتلمّس أمجادها، وتستعيد ملامح رجالها ونسائها، كأنّ التاريخ مرآةٌ تعكس للحيّ ما كان من أمر السالفين؛ فمن عرف ماضيه، عرف نفسه، ومن جهل جذوره تاه في مهبّ الريح.

وقد كنّا، ونحن نتابع حديث سموّ وليّ العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني – حفظه الله – إلى وجهاء الطفيلة وأعيانها، نستشعر حرارة السردية الأردنية، تلك السردية التي كانت موجودة في عهد جلالة المغفور له الحسين بن طلال عليه رحمة الله تعالى وكان في عهده من كان يروون هذه السردية ويحافظون عليها أمثال اصحاب الدولة عليهم رحمة الله تعالى هزاع ووصفي والشريف عبدالحميد ،والتي ما انفكت تروي للأجيال حكاية الأردني الذي شدّ على يد الثورة العربية الكبرى، وجاد بنفسه حين دعا الواجب، ووقف كالطود الأشمّ في وجه الطوفان .

ثمّ لا نُغفل أثر رجالاتنا الأفاضل، الذين ما توانوا عن حماية صورة الأردن، والدفاع عن نسيجه وهويته؛ منهم دولة عبدالرؤوف الروابدة، الذي أخرج السردية الأردنية من خجلها بعد نسيانها ، وردّ عنها ما علق بها من شبهات واتهامات؛ ومنهم أيضا دولة فيصل الفايز، الذي ما برح يذكّر ويتغنى بتاريخ الأردن وتراثه، ويصون ما بقي من ملامح أصيلة تُنسب إلينا.

وإنّ من هذا التراث الذي نفاخر به المدرقة الأردنية؛ ذلك اللباس النسائي العفيف ، الذي توارثته الجدّات عن الجدّات، قد يختلف لونه ورسمه وجغوافيته ، ولكن تبقى روحه واحدة هي روح الستر والجمال والحشمة. ولئن تعددت الشرائع السماوية، فقد اتفقت على تكريم المرأة وصونها، فكانت المدرقة أختًا لرداء الراهبة، وقريبةً من لباس العفيفات في الحضارات كافة.

غير أنّ الزمن قد يعبث بالذوق والوجدان، فيغزو بعض الملابس ما لا يليق، مما لا زيادة فيه إلا كشفًا للعورات، ولا جمال فيه إلا زائفًا يخالف الفطرة. فجاءت مبادرة “مدرقتنا” كنسمة صبحٍ تزيح غبار السنين، وتردّ للأردنية رونقها، وللباسها هيبته، وللحياء مكانه.

لقد أحيينا المدرقة، ولكننا لم نحيّ ثوبًا فحسب، بل أحيينا قيمة وأحيينا مهنة سوف يتم توارثها بين الجيل القديم والجديد وفتحنا أبواب رزق لماهرات اعادن لنا روح التراث واعدنا لهن روح التاريخ ثم جددنا عهداً مع الجمال الحديث لكي يكونا نقيّا محافظا ، وجددنا أيضا عهدا مع الستر الذي ما نقص من المرأة يومًا في زمن صار فيه التعري والعهر موضة وتقدم وحضارة ،ولكن مع نضوج المدرقة وانتشارها زادت المرأة مهابةً وبهاءً. وكيف لا؟ وهي تزدهي بهذا اللباس الذي يفوق – في أصالته ورصانته – كل ثوب حديث، مهما تنوّعت قصّاته وزخارفه.

فلنستر نساءنا وبناتنا بما يستر جمالهنّ، لا بما يكشفه؛
ولنعد إلى ما هو منّا، وما يليق بنا؛
ففي المدرقة حياةٌ للتراث، وجمالٌ للروح، وبيانٌ للسردية الأردنية التي نعتزّ بها.

الكاتبة من الأردن

قد يعجبك ايضا