فادي السمردلي يكتب: نجاح مدفوع الثمن… زيفٌ معلّب باسم الإنجاز
بقلم فادي زواد السمردلي …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
في ذاكرتي لم تكن قصة ذلك الطالب الذي نجح بالغش مجرد حادثة مدرسية عابرة، بل كانت صورة صغيرة لما يحدث في مجالات أوسع حين يتحول النجاح إلى شيء يمكن شراؤه، وحين يصبح الطريق المختصر أكثر جذباً من رحلة التعب والجهد فأتذكر ذلك الطالب الذي دخل قاعة الامتحان وهو يحمل ثقة ليست من صنعه، فقد اشترى ورقة الامتحان مسبقاً، واستأجر أكثر من عشرين طالباً ليحلّوا له الأسئلة مقابل مبالغ دفعها دون تردد فكان الأمر يشبه عملية كاملة الأركان، منظمة ومخططاً لها، وكأن الامتحان مشروع تجاري لا اختباراً يُقصد به قياس مستوى العلم والمعرفة.
ومشهد الغش هذا، رغم أنه يحدث داخل أسوار مدرسة، إلا أنه يرتبط ارتباطاً واضحاً بما يجري في الخارج، وتحديداً ما رايناه في احد الافلام العربية ( بخيت وعديله ) حول الحياة السياسية بان هناك من ينجح بالغش ولكن بطرق مختلفة وأكثر تمويهاً فمنهم من يشتري الأصوات نقداً، ومنهم من يدفع فواتير الكهرباء والمياه للأسر المحتاجة، ومنهم من يوزّع مساعدات على شكل هدايا ومواد غذائية، ومنهم من يقدم ما يسمى “اشتراكات” اجتماعية ظاهرها الخير وباطنها شراء الولاء وبعد أن يضمن هؤلاء ما يريدون من أصوات، يقفون فوق المنابر ويبدأون في إلقاء الخطب عن النزاهة والوطن والانتماء، وكأن أفعالهم السابقة ليست معروفة أو كأن الناس لا يرون التناقض الكبير بين ما يقولونه وما يفعلونه.
وبالعودة إلى الطالب، فإن نتيجة غشه لم تكن مبهرة، فقد حصل على درجة بسيطة بالكاد رفعت اسمه فوق خط الرسوب ومع ذلك، ما إن ظهرت النتائج حتى وقف أمام زملائه بفخر متصنع، يتحدث عن الليالي التي “سهرها” وعن الجهد الذي “بذله” وعن المعاناة التي “تحمّلها استعداداً للامتحان”. كان يتحدث بثقة وكأنه الطالب المثالي الذي يستحق التقدير، بينما يعرف الجميع أنه لم يبذل جهداً واحداً يذكر، وأن كل ما فعله كان شراء الإجابات وتوزيع الأموال على من سيحلّون الامتحان على مبدأ (جاوبلي وانن بدفع )
هذا التناقض بين الحقيقة والكلام ليس غريباً، بل هو نفسه ما يحدث عندما يشتري البعض أصوات الناس ثم يتحولون فجأة إلى دعاة فضيلة فيصبح من اشترى الأصوات بمال مشبوه هو نفسه من يوبّخ الناس ويتحدث عن الأخلاق ويصبح من وزّع “الاشتراكات” من أجل صوت، هو من يطالب الآخرين بالاستقامة وكأن الخطب قادرة على تغيير الوقائع، وكأن الكلمات تستطيع أن تغطي طريقاً مليئاً بالمخالفات.
إن النجاح الذي يقوم على الغش، لا يمكن أن يصمد أمام الزمن فهو نجاح هش، يشبه ورقة جميلة لكنها فارغة من الداخل فقد يخدع الناس لحظة، لكنه لا يخدعهم دائماً وقد يحمل صاحبه إلى منصب أو شهادة، لكنه لا يرفعه في أعين من يعرفون الحقيقة فالاحترام لا يُشترى، والإنجاز الحقيقي لا يصنعه غير الجهد والتعب والمثابرة.
والأمثلة على ذلك كثيرة فمن ينجح بالغش قد يفرح قليلاً، لكنه يعيش دائماً في خوف من أن تُكشف حقيقتُه ومن ينجح بعمله الحقيقي يعيش مطمئناً لأن ما وصل إليه هو ثمرة يده وتعب قلبه ومن يعتمد على الآخرين ليصنعوا له طريقه، سيظل دائماً ضعيفاً لا يمكنه الوقوف وحده حين يحتاج الأمر إلى المعرفة أو الخبرة أو القدرة الحقيقية.
تبقى قصة ذلك الطالب، وما يشبهها في الحياة العامة، درساً واضحاً بأن الطريق المختصر قد يبدو سهلاً، لكنه في النهاية طريق بلا قيمة وأن النجاح الحقيقي لا يصنعه المال ولا “الاشتراكات”، بل يصنعه صدق الإنسان مع نفسه وجهدُه الذي يعرف قيمته جيداً.
وهكذا يظهر بوضوح أن “الناجح بالغش” ناجح بالاسم فقط، أما النجاح الحقيقي فهو لمن يستحقه، ولمن بذل فيه قلبه ووقته وعرقه دون أن يدفع أحدٌ عنه أو يحلّ مكانه.
الكاتب من الأردن