“خداع استراتيجي هز إسرائيل”.. زامير يكشف كيف نفذ الفلسطينيون 7 أكتوبر بينما ينغمس الجيش في فشل مستمر
ونسجت القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية خيوطها بذكاء تكتيكي ووعي نفسي استغل ثغرات مزمنة في العقل الأمني الإسرائيلي.
جاء ذلك في خطاب داخلي موجه إلى قادة الجيش الإسرائيلي اليوم الجمعة، كشف فيه رئيس الأركان إيال زامير عن فشل ذريع في التعامل مع هجوم 7 أكتوبر، مؤكدا أن المسؤولية لا تقع على عاتق الجيش وحده، بل تمتد إلى القيادة السياسية التي تبنت سياسة “شراء حماس بالمال” مقابل الهدوء الزائف. ودعا زامير إلى تشكيل “لجنة تحقيق خارجية وأكثر موضوعية”، مشيرا إلى أن توجيه الاتهامات فقط للجيش “ليس من اللائق”، خاصة وأن الكارثة تمثل “فشلا منهجيا مستمرا” وليس مجرد أخطاء فردية.
وأشار زامير إلى أن وثيقة “جدار أريحا”، خطة حماس لاقتحام المستوطنات، كانت معروفة لدى الاستخبارات الإسرائيلية منذ 2018، وتم تحليلها بالكامل في 2022، لكن لم يول لها الاهتمام اللازم، بل تم تجاهل “دق أجراس الإنذار” رغم خطورتها. وشدد على أن التحذيرات التي أُرسلت خلال 2023 إلى القيادة السياسية، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، شملت تحذيرات صريحة بشأن تآكل الردع أمام غزة بسبب الأزمة الداخلية في إسرائيل، ما يفند ادعاءات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتكررة بأنه لم يحذر من خطر قادم من القطاع.

كما انتقد زامير بشدة “المفهوم الأمني” الذي ساد في إسرائيل منذ 2008، والذي ركز على “ضربات محدودة” ضد حماس دون هدف استراتيجي حقيقي، ما سمح للمنظمة بالتعافي والبناء العسكري في الخفاء. ولفت إلى أن سياسة “الهدوء المؤقت” المدعومة بتحويلات قطرية وتصاريح العمل، أعطت حماس الغطاء السياسي والاقتصادي للاستعداد لليوم الذي سيقلب فيه موازين القوة.
كما وجه انتقادات لاذعة لأجهزة الاستخبارات التي ركزت على “جمع أهداف صناعية” للقصف، بدلا من قراءة “نوايا العدو” وتحليل تحركاته، ما أدى إلى فشل ذريع في الاستخبارات البشرية وتهميش تحذيرات المراقبات على الحدود.
انكشاف الردع.. حماس قلبت معادلات الأمن وخدعت الاستخبارات وكشفت هشاشة إسرائيل
ورغم أن رئيس الأركان الإسرائيلي زامير حاول إبعاد الاتهام عن جيشه، فإن شهادته ذاتها كشفت عن هشاشة منهجية في البنية الأمنية والعقلية الاستخباراتية التي وقعت فريسة لما وصفه مسؤولون إسرائيليون أنفسهم بـ”تمرين خداع مثالي”.
فالفشل لم يكن فرديا، كما يحاول وزير الدفاع يسرائيل كاتس الترويج، بل كان فشلا مفاهيميا شموليا، بدأ منذ ترسيخ ما سمي بـ”مفهوم الهدوء” الذي جعل تل أبيب ترى في حماس شريكا في إدارة غزة، لا عدوا أيديولوجيا لا يصالح. وقد سمح هذا الوهم بتدفق الأموال القطرية، وتسهيل تصاريح العمل، وتجاهل تحذيرات صريحة من مخاطر تآكل الردع جراء الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل.
فمنذ 2018 وحتى 2022، كانت وثيقة “خطة أريحا” التي اطلعت عليها الاستخبارات الإسرائيلية تشير إلى نوايا حماس لشن هجوم واسع، لكنها بقيت حبرا على ورق، بينما فضلت المخابرات التركيز على “أهداف صناعية” بدل قراءة النوايا.

وفي 2023، ومع ازدياد التحذيرات من تراجع الردع، نفى نتنياهو تلقي تحذيرات تخص غزة، في محاولة يائسة لإنقاذ سمعته، رغم أن التقارير الرسمية أثبتت عكس ذلك. وفي الميدان، تجاهلت القيادة الجنوبية إنذارات المراقبات عن نشاطات غير اعتيادية، وركز الجيش على الشمال وإيران، مهملا غزة التي باتت معملا سريا لكتائب القسام، حيث تدربت وحدات “النخبة” على اختراق الحواجز واقتحام المستوطنات باستخدام خليط من الوسائل، دراجات نارية وجرافات ومركبات وطائرات مسيرة بدائية، وحتى مظلات، في تنوع تكتيكي خلق فوضى بنيوية في خطوط الدفاع الإسرائيلية.
انهيار كامل
وقد استغل الراحل يحيى السنوار، المهندس الفعلي للعملية، كل عامل من عوامل الخداع، من التزامن مع عطلة يهودية لتقليل الجاهزية، إلى استخدام أدوات مدنية معدلة لاختراق السياج الحدودي، مرورا بتمويه الاتصالات لتشتيت أنظمة التنصت الإسرائيلية. والنتيجة؟ انهيار كامل في الساعات الأولى، مع اعتماد القيادة الإسرائيلية على خطط جاهزة لا تناسب الواقع.
واليوم، بينما يعترف زامير نفسه بأن “المفهوم الأمني الإسرائيلي” بحاجة لإعادة بناء جذري، فإن الأهم ليس فقط الاعتراف بالفشل، بل فهم أن حماس لم تهزم جيشا فحسب، بل دمرت أسطورة، أسطورة أن الردع يمكن شراؤه بالمال، وأن العدو لا يجرؤ على اختراق الحدود. لقد أثبتت غزة أن المقاومة لا تنضب، وأن التخطيط الطويل الأمد، المدعوم بالإيمان والسرية والدهاء، قادر على تغيير قواعد اللعبة بأكملها.
المصدر: يديعوت أحرنوت + RT