فادي السمردلي يكتب:الزراعة الأردنية في مواجهة العطش صراع البقاء بين ندرة الماء وصمود الأرض

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

تعيش الزراعة الأردنية اليوم واحدة من أصعب مراحلها منذ عقود، حيث تتقدم أزمة المياه إلى الواجهة كعامل حاسم يهدد استمرار هذا القطاع الحيوي فلم يعد الحديث عن نقص المياه مجرد نقاش بيئي أو ملف موسمي، بل تحوّل إلى واقع يومي يفرض نفسه على كل مزارع وعلى كل قطعة أرض، ويعيد طرح السؤال الكبير هل تستطيع الزراعة في الأردن أن تستمر في ظل ما تشهده البلاد من تغيّر مناخي وضغط مائي متزايد؟

المزارعون في مختلف مناطق المملكة باتوا يشعرون بوطأة التغيرات التي تتسارع عامًا بعد عام. في الأغوار، حيث اعتادت الأرض أن تكون سلة غذاء الأردن، بدأت مواسم الإنتاج تتقلص، وارتفعت تكلفة الري بشكل تجاوز قدرة الكثير من المزارعين وفي الشمال، تتكرر شكاوى نقص حصص الري وتأخرها، ما يتسبب في خسائر تدخل في حسابات من يزرع كل موسم وكأنه يخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر. البعض اضطر لتقليص مساحة الزراعة، وبعضهم توقف عن الزراعة نهائيًا، بينما لا يزال آخرون يقاومون على أمل أن تعطيهم الأرض ما يكفي ليواصلوا البقاء.

العامل الأكثر قسوة في هذه المعركة هو التغير المناخي، الذي أصبح واقعًا ملموسًا وليس مجرد مصطلح يتردد في المؤتمرات الدولية فالمواسم المطرية لم تعد كما كانت، وأيام المطر المتواصلة تحولت إلى أمطار متقطعة، فيما الحرارة ترتفع في فترات حساسة من نمو المحاصيل فكل هذا ينعكس مباشرة على قدرة التربة على الاحتفاظ برطوبتها وعلى إنتاجية النبات وحتى السدود والمخزون المائي، التي كانت تشكل سابقًا صمام أمان، أصبحت في كثير من الأحيان عاجزة عن تعويض النقص، إمّا بسبب تراجع المنسوب أو زيادة الطلب على المياه.

الزراعة في الأردن ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل هي ركيزة أمن غذائي وامتداد لثقافة وعادات مجتمعية ومع ذلك، فإن استمرارها بات يعتمد على حلول غير تقليدية كأنظمة الري الحديثة، الزراعة المائية، البيوت الزراعية الذكية، وإعادة استخدام المياه المعالجة، كلها حلول مطروحة، لكنها ليست سهلة التطبيق على نطاق واسع دون دعم فعلي فالمزارع يحتاج إلى أدوات تساعده على التحول، وليس فقط نصائح أو تعميمات نظرية. فالكلفة المرتفعة لهذه الأنظمة تجعل المزارع البسيط غير قادر على تبنيها دون دعم حكومي مباشر أو برامج تمويل ميسرة، بينما تبقى المبادرات الفردية محدودة في تأثيرها.

التحدي الأكبر أن أزمة المياه لم تعد تؤثر على المزارعين فقط، بل على المستهلكين أيضًا فكلما انخفض الإنتاج المحلي، ارتفعت الأسعار في الأسواق، وزاد الاعتماد على الاستيراد. وهذا يضع الأردن في موقع حساس، خصوصًا مع التقلبات العالمية في أسعار الغذاء، واضطراب سلاسل التوريد بين فترة وأخرى ومع ازدياد الطلب الداخلي وارتفاع كلفة الشحن عالميًا، يصبح الحديث عن الأمن الغذائي أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح.

لهذا، فإن الأردن بحاجة إلى رؤية واضحة لإعادة ضبط العلاقة بين الزراعة والمياه، رؤية تجعل من استخدام الماء أكثر كفاءة، ومن المزارع شريكًا حقيقيًا في الحل فدعم التحول إلى الزراعة الذكية لم يعد خيارًا، بل ضرورة وإعادة استخدام المياه المعالجة يجب أن يتحول من مشروع محدود إلى رافد أساسي للري، خصوصًا للمحاصيل التي لا تستهلك كميات كبيرة من المياه كما أن اختيار محاصيل تتحمل الجفاف وتناسب المناخ الأردني يمكن أن يشكل جزءًا من الحل على المدى المتوسط.

قد تكون الظروف صعبة، لكن الأمل لم ينقطع فهناك مزارعون لا يزالون يتمسكون بأرضهم رغم كل ما يواجهونه، وهناك مبادرات محلية أثبتت أن الزراعة الذكية قادرة على النجاح إذا توفر لها الدعم ومع ذلك، فإن المسار لا يزال طويلًا، وما يحتاجه هذا القطاع اليوم ليس مجرد مسكنات موسمية، بل خطة وطنية شاملة تعيد للزراعة مكانتها وتمنحها القدرة على الصمود في وجه واقع مائي يزداد قسوة.

الزراعة في الأردن تقف عند لحظة مفصلية، والوقت ليس في صالحها فكل موسم يمر دون حلول حقيقية يعني خسائر جديدة وأرضًا أقل إنتاجًا ومع ذلك، لا تزال الفرصة قائمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذا توفرت الإرادة وتم وضع الماء في مكانه الصحيح كأغلى مورد يجب إدارته بحكمة، وليس كمشكلة نناقشها كلما اشتد الجفاف.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا