الرجل شريكٌ في التغيير: إعادة تعريف الدور ضمن حملة الـ 16 يومًا والخطاب المجتمعي المتوازن

بقلم: د. تغاريد محمد الفواز  …..

رئيسة أكاديمية دمشق للتدريب والوعي المجتمعي

مقدمة:
حين تُطلق الحملات العالمية مثل”16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي”، غالبًا ما يتركز الخطاب – بحكم طبيعة القضية – حول المرأة كضحية وكعنوان رئيسي للتمكين. ولكن، هل يمكن أن ننجح في خلق مجتمع آمن دون أن يكون الرجل شريكًا فاعلًا في هذه المعادلة؟ بل، دون أن نعيد النظر في الصورة النمطية للرجل داخل خطاب “الجندرة” نفسه؟

1. الرجل في قلب المشكلة… وبالتالي في قلب الحل:
لا يمكن اختزال دور الرجل في هذه القضية كمجرد”معتدٍ محتمل” أو “طرف يجب ترويضه”. العنف ضد المرأة له جذور مجتمعية وثقافية واقتصادية معقدة، يرثها الرجل كما ترثها المرأة. فهو، في كثير من الحالات، ضحية لنظام قيمي يفرض عليه صورة “الذكر المسيطر” التي تكبته عاطفيًا وتحمّله أعباءً مادية ونفسية هائلة، قد تتفجر أحيانًا بشكل خاطئ. لذلك، يجب أن يتحول خطابنا من “توجيه الاتهام” إلى “فتح حوار”. مشاركة الرجل الفعالة تبدأ باعتباره شريكًا في التفكيك: تفكيك صورة الذكورة السامة، وضغوط القوامة الأحادية، ووصمة طلب الدعم النفسي.

2. خطاب الجندرة: من المواجهة إلى الشراكة:
غالبًا ما يُفهم خطاب الجندرة(أو النوع الاجتماعي) بشكل خاطئ على أنه حرب على الرجال أو محاولة لطمس الفروق الطبيعية. والحقيقة أنه يسعى لتحقيق العدالة عبر تفكيك الأدوار المفروضة اجتماعيًا والتي تضر بالطرفين. عندما نفهم أن “الجندرة” تعني منح الرجل والمرأة معًا حرية الاختيار – اختيار المهنة، اختيار التعبير عن المشاعر، اختيار نموذج الأسرة – نجد أن الرجل رابح رئيسي في هذه المعادلة. الحملة يجب أن تطرح سؤالًا جريئًا: ما الذي يكسبه الرجل من مجتمع خالٍ من العنف؟ الإجابة: حرية حقيقية، علاقات أسرية أكثر سلامًا، صحة نفسية أفضل، وشراكة حياة قائمة على الاحترام لا على السلطة.

3. كيف نُشرك الرجل؟ خطوات عملية ضمن الحملة:

· الخطاب: تغيير اللغة من “توعية الرجل بأخطائه” إلى “تمكين الرجل ليكون الشريك الأفضل والأسعد”. استهدافه برسائل مثل: “القوة الحقيقية في الاحتواء”، “الرجادة في المسؤولية لا في السيطرة”.
· البرامج: تصميم ورش عمل وجلسات حوار خاصة بالرجال، تركز على إدارة الغضب، التواصل العاطفي، الأبوة الفعالة، ومواجهة الضغوط الاجتماعية. أن تكون هناك مساحات آمنة لهم ليعبروا عن تحدياتهم دون حكم.
· النماذج: تسليط الضوء على نماذج رجالية إيجابية – آباء، أزواج، قادة مجتمع – يمارسون شراكة حقيقية ويحترمون النساء في حياتهم.
· الحماية: الاعتراف بأن الرجل يمكن أن يكون ضحية أيضًا (لعنف جسدي أو نفسي) وتوفير آليات دعم له، مما يُظهر أن العدالة للجميع.

4. تجاوز الـ 16 يومًا: نحو شراكة دائمة:
يجب أن يكون الهدف تحويل زخم هذه الأيام الـ 16 إلى سياسات وبرامج مؤسسية دائمة:

· إدماج مفاهيم المساواة والذكورة الإيجابية في مناهج التربية والتعليم.
· تشجيع المؤسسات على إنشاء برامج دعم للموظفين (رجالاً ونساء) حول التوازن بين العمل والحياة الأسرية.
· إشراك المؤثرين الرجال (الرياضيين، الفنانين، رجال الدين) كسفراء للرسالة.

خاتمة:
حملة الـ 16 يومًا ليست معركة بين جنسين.إنها دعوة جماعية لبناء عقد اجتماعي جديد. الرجل ليس الحارس التقليدي لهذا النظام القديم، بل يمكن أن يكون حجر الزاوية في النظام الجديد. عندما نسعى لتمكين المرأة، فإننا في الحقيقة نحرر المجتمع بأسره، وندعو الرجل لأن يتحرر من قفص التوقعات الضيقة ليشارك في بناء شراكة إنسانية حقيقية. النضال ضد العنف نضال من أجل إنسانية مشتركة، والرجل شريك لا غنى عنه فيه.

الكاتبة من سوريا

قد يعجبك ايضا