فادي السمردلي يكتب: الاندماج الحزبي بلا توافق فكري… اغتيال سياسي مع سبق الإصرار
بقلم فادي زواد السمردلي …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
الاندماج الحزبي ليس عملًا خيريًا ولا تمرينًا في تجميع اللافتات والشعارات تحت سقف واحد، بل هو قرار سياسي مصيري، إما أن يُبنى على وعي فكري صارم فيُنتج حزبًا حقيقيًا، أو يُقام على الانتهازية والارتباك فيولد كيانًا مشوهًا لا يصمد أمام أول اختبار فأخطر ما أصاب الحياة الحزبية في عالمنا العربي هو تحويل الاندماج إلى وصفة سريعة لزيادة العدد، وكأن السياسة حساب رياضي لا صراع أفكار ومشاريع والحقيقة القاسية التي يرفض كثيرون الاعتراف بها هي أن أي اندماج لا يجعل التقارب الفكري والإيديولوجي شرطه الأول، هو اندماج كاذب مهما كانت نواياه المعلنة.
الفكرة ليست تفصيلًا ثانويًا يمكن القفز فوقه بحجة “المرحلة” أو “المصلحة الوطنية” فالحزب السياسي، إن لم يكن له تصور واضح للدولة، ولم يكن موقفه حاسمًا من الحريات، ومن طبيعة النظام السياسي، ومن العدالة الاجتماعية، ومن معنى الهوية الوطنية، فهو مجرد تجمع أشخاص لا أكثر فلا يمكن أن يندمج حزب يؤمن بالديمقراطية كقيمة غير قابلة للتفاوض مع حزب يتعامل معها كأداة مؤقتة تُستخدم حين تخدم مصالحه وتُهمَل حين تعيقها ولا يمكن الجمع بين مشروع يرى الدولة راعية للعدالة الاجتماعية، وآخر يبرر الفوارق الطبقية باسم الواقعية الاقتصادية فهذا ليس تنوعًا صحيًا، بل تناقض قاتل. وأي محاولة لتغليفه بلغة توافقية ناعمة ليست إلا خداعًا للذات قبل أن تكون خداعًا للناس.
إن الاندماج الذي يتجاهل هذا التناقض الفكري هو أشبه ببناء بيت على أرض رخوة قد يبدو متماسكًا من الخارج، لكنه ينهار عند أول هزة ،أول أزمة سياسية، أول قانون خلافي، او أول موقف من قمع الحريات ، كفيلة بأن تفضح هذا التعايش المصطنع فعندها يبدأ تبادل الاتهامات، ويستعيد كل طرف خطابه القديم، ويتحول الحزب المندمج إلى ساحة صراع داخلي بدل أن يكون أداة نضال وهذا ليس سيناريو افتراضيًا، بل واقع تكرر مرارًا في تجارب اندماج فاشلة كان يمكن تجنبها لو وُضعت الفكرة في مكانها الطبيعي منذ البداية.
ومن هنا، فإن الحديث عن برنامج سياسي مشترك بلا حسم فكري مسبق هو عبث سياسي فالبرنامج ليس ورقة توفيقية تُكتب لإرضاء الجميع، بل موقف معلن يحدد الاتجاه ويكشف من هو معنا ومن هو ضدنا فالبرنامج الرمادي هو اعتراف بالعجز، وهو محاولة لتأجيل الخلاف لا لحله والحزب الذي لا يجرؤ على إعلان مواقفه من الاقتصاد، والتعليم، والسياسة الخارجية، والإصلاح السياسي، هو حزب يخشى نفسه قبل أن يخشى خصومه.
أما الديمقراطية الداخلية، فهي ليست ترفًا تنظيميًا ولا شعارًا للاستهلاك الإعلامي، بل شرط أخلاقي وسياسي فاندماج يُفرض بقرار من القيادات، دون العودة إلى القواعد، هو عملية فوقية لا تختلف كثيرًا عن عقلية السلطة التي تدّعي الأحزاب معارضتها فكيف لحزب وُلد بلا ديمقراطية داخلية أن يدافع عن الديمقراطية في الدولة؟ هذا تناقض فج لا يمكن تبريره بأي حجة.
وتتعمق الأزمة حين يتحول الاندماج إلى عملية ابتلاع من طرف واحد فحين يتصرف حزب على أنه “الأصل” والآخر “الملحق”، تُزرع بذور الانقسام منذ اليوم الأول فالعدالة في تقاسم المسؤوليات ليست مسألة مجاملة، بل ضرورة لبقاء الحزب نفسه فالإقصاء المقنّع يولد الانشقاق المؤجل، ولا وجود لاندماج حقيقي مع شعور دائم بالغبن.
ثم هناك الوهم الأكبر تجاهل الماضي وكأن الخلافات السابقة ستتبخر تلقائيًا فالسياسة لا تنسى، والجراح غير المعالجة تتحول إلى أحقاد صامتة. بناء الثقة يتطلب مواجهة صريحة، واعترافًا بالأخطاء، لا دفنها تحت شعارات الوحدة وكذلك، فإن غياب إطار قانوني وتنظيمي واضح ليس مسألة تقنية، بل مدخل للفوضى والصراع على النفوذ والمال والشرعية.
وفي النهاية، تبقى الإرادة السياسية هي الفيصل إما إرادة حقيقية ترى في الاندماج مشروعًا طويل النفس يتطلب تنازلات مؤلمة، أو إرادة زائفة تبحث عن مكاسب انتخابية سريعة فالاندماج القائم على الانتهازية لا يبني أحزابًا، بل يراكم الخيبات. ولذلك، يجب قول الحقيقة بلا تردد, بلا وحدة فكرية صارمة، الاندماج الحزبي ليس حلًا، بل مشكلة جديدة تُضاف إلى أزمة العمل السياسي نفسها.
الكاتب من الأردن