رحيلُ “الصوتِ” الذي أيقظَ أمة

بقلم: زينب عبدالوهاب الشهاري

__________________________
في غفلة من الزمن، ترجّل الفارس الذي لم ترهُ الأعين يوماً، لكن سكنت صورته في أعماق الوجدان. غاب “أبو عبيدة”، ذاك الذي كان إذا طلّ، انحنى له الصمتُ تقديراً، وإذا نطق، ارتجفت فرائصُ الباطل، واهتزت عروشُ الظلم تحت وقع كلماته “المؤمنة الصادقة”.
لم يكن “أبو عبيدة” مجرد ناطقٍ عسكري؛ كان هو “الروح” التي بُعثت في رميم الأمة خلال “طوفان الأقصى”. خلف ذاك اللثام الذي صار رمزاً عالمياً للحرية، كانت تختبئ عيونٌ ترى النصر قبل حدوثه، ويقينٌ يفتت صخر اليأس. لقد علمنا أنَّ الكلمة حين تخرج من قلبٍ صادق تكون أمضى من الرصاص، وأنَّ العزة ليست في كشف الوجوه لعدسات الكاميرا، بل في كشف زيف الطغاة أمام عدالة السماء.
كم مرةً تسمرنا أمام الشاشات؟ كم مرةً حبسنا أنفاسنا ننتظر قوله “يا أبناء شعبنا المرابط”؟ كان صوته الرخيم، بنبرته الواثقة والهادئة، يرمم انكسارات أرواحنا. كان يمنحنا في كل خطابٍ جرعةً من الكرامة، ويخبرنا أنَّ هذه الأرض لا تخون أصحابها، وأنَّ الدم الذي يسيل هو المهرُ الأغلى لفجرٍ قادم لا محالة. لقد كان صوته هو السدَّ المنيع في وجه الهزيمة النفسية، والبلسمَ الذي يداوي جراح الثكالى والمكلومين.
وداعاً يا سادنَ الكلمةِ والطلقة….
اليوم، تكتسي الكلماتُ بالسواد، ويخيم الحزنُ على كل بيتٍ اهتز طرباً ببياناته العسكرية. يرحل “حذيفة الكحلوت” إلى جوار ربه، ملتحقاً بقوافل الشهداء الذين أحبهم ودافع عنهم بلسانه وسلاحه. يرحل وقد أدى الأمانة، وزرع في جيلٍ كامل بذور التمرد على المذلة، وأثبت للعالم أجمع أنَّ “الإرادة” لا يمكن أن تُحاصر، وأنَّ “الحق” لا يمكن أن يُغتال.
نم قرير العين يا أبا عبيدة، فقد صدقت الله فصدقك. نم، فصوتك ما زال يتردد في أزقة القدس، وفوق مآذن غزة، وفي قلب كل حرٍّ نبض بالعروبة والإسلام. لقد صرت أنت “الأسطورة” التي ستُحكى للأطفال قبل النوم، والمنارة التي سيهتدي بها المقاومون في ليلهم الطويل.
إن غاب الجسد، فإنَّ “اللثام” باقٍ، والمنهج باقٍ، والصوت الذي زرعته فينا سيظل يصدح في كل مئذنة وعند كل فجر: “وإنه لجهاد.. نصرٌ أو استشهاد”.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا