الشهيد (أبو عبيدة)… الصوت الذي قهر الطغيان وطوَّق الحُجَّةَ أعناقَ الخذلان
طوفانُ الجنيد …..
الصوتُ الخالد في قلوب الأحرار
في عالمٍ يظنُّ أنَّ الموتَ هو النهاية، وأنَّ الصمتَ هو وسيلةُ النجاة للعبيد، جاء صوتُ الشهيدِ أبي عبيدة ليُعيد تعريفَ معنى الحياة الحقيقية والموت المحتوم، وليجعل من الجسد الفاني جسرًا إلى الخلود، ومن الصوت الناطق من تحت الثرى حُجَّةً تعلو على صمت الأنظمة العميلة والشعوب المستعبدة.
لقد كان الشهيدُ الأسمى أبو عبيدة أكثرَ من مجرّد صوت؛ كان رسالةَ إرادة، ومنارةَ كرامة، وعَلَمَ حريةٍ دحض به منطقَ الاستسلام. فحين ترى عيونُ الخذلان طريقًا مسدودًا، كان يرى منفذَ أمل؛ وحيث تظنُّ حساباتُ المتردّدين أنَّ المعركة خاسرة، كان يؤمن بأنَّ النصرَ إيمانٌ قبل أن يكون نتيجة.
بكلماته التي حوَّلت الفناءَ من رحيلٍ ومغادرةٍ وذكرى في دروب الزمن إلى شهادةٍ وحياةٍ أبدية وبشاراتِ خيرٍ متوالية، ومن الكساد والخسارة إلى أرباحٍ وفوزٍ عظيم، أوصل رسالةً إلى الأعداء، وأفهم العالم أنَّ القضيّةَ الحقّة لا تسقط بسقوط الرجال، ولا تُقاس بأعمارهم، بل بقدرتها على الثبات والاستمرار في عقول وقلوب أهلها وأصحابها.
هذا الصوت الذي قهر الموت ما زال يتردّد، مُجلجلًا بصداه، يخترق الحُجُب ويعبر المديات والمسافات، ليُذكّر الجميع بأنَّ الحقَّ حتمًا سينتصر، وأنَّه لا يموت بموت حامليه.
«أنتم خصومُنا عندَ الله يومَ القيامة»
هكذا كان صوته بمثابة رسالةٍ قوية لأهل الضمائر الميتة، والقلوب المتحجّرة، والنفوس اللائمة من الأنظمة العربية والإسلامية الخائنة والمتخاذلة. لقد طوَّق حجّتَه أعناقهم، وجعل من كلِّ تردّدٍ خيانةً للوعد، ومن كلِّ صمتٍ خضوعًا للظلم.
كانت كلماته سلاحًا لا يصدأ، وفكرةً لا تضمحل؛ لأنها نابعة من إيمانٍ بالقضيّة، ويقينٍ تامّ بعدالتها، بأنَّ هذه الدماء ترسم طريقَ التحرّر والانتصار، وأنَّ صوتَ الحق من تحت الركام أقوى من ألفِ صرخةٍ خاويةٍ من الإرادة.
إنَّ شهداءَ الطوفان، سواءٌ كانوا قادةً عسكريين أو أطفالًا ومدنيين في قطاع غزة، لم يسقطوا صامتين، بل أطلقوا صيحةَ النصر الأبدي، وشرارةَ الزوال للكيان، وتركوا للمتخاذلين المتصهينين سؤالًا مُحرجًا:
ماذا سيكون جوابُكم يومَ الحساب؟ وما موقفُكم من قضيّة فلسطين، ومن أطفال غزة الذين أبادهم الكيان وأنتم تنظرون؟
اليوم، لم يعد صوتُ أبي عبيدة مجرّد ذكرى، بل صار ضميرًا حيًّا ينبض في كلِّ صدرٍ يؤمن بالكرامة، وخزيًا وهوانًا دائمين لكلِّ من يقبل بالظلم والاستعباد، ودليلًا ساطعًا على أنَّ الموت في سبيل الله، والمبدأ الحق، والقضيّة المحقّة، هو الحياةُ الحقيقية. وأنَّ الشهادةَ ليست لخلود الأجساد، بل لخلود الفكرة التي ترويها الدماء الطاهرة، والكلمة التي تشقُّ الظلام.
فسلامُ الله عليك يا أبا عبيدة، وعلى رفاق دربك من شهداءِ معركةِ الفتحِ الموعود والجهاد المقدّس في محور الجهاد والمقاومة، ولا جعله الله آخرَ العهد بكم يا سادتنا وقدوتنا ورمز فخرنا.
الكاتب من اليمن