فادي السمردلي يكتب: حين يصمت البرلمان من يحمي الدستور والثروة السيادية؟
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
في الدول التي يحكمها الدستور، لا تُقاس قوة المؤسسات بما ترفعه من شعارات، بل بمدى التزامها العملي بنصوص الدستور وروحه، وبقدرتها على حماية المصالح العليا للدولة في اللحظات الحساسة وتُعد مسألة الثروات الوطنية من أخطر هذه اللحظات، لأنها تمس جوهر السيادة وحقوق الشعب الحاضر وحقوق الأجيال القادمة على حد سواء ومن هنا، فإن صمت البرلمان، ممثل الأمة وحارس الدستور، لا يمكن اعتباره موقفًا محايدًا أو خيارًا سياسيًا مشروعًا، بل يتحول إلى تقاعس دستوري يفتح الباب لانتهاكات جسيمة لا يمكن تدارك آثارها لاحقًا.
لقد جاء الدستور الأردني حاسمًا في تنظيم العلاقة بين السلطات، وفي رسم حدود التصرف بالموارد السيادية فالمادة (117) نصت بوضوح على أن كل امتياز يُمنح لاستثمار المناجم أو المعادن يجب أن يكون بقانون وهذا النص لم يُدرج عبثًا، بل جاء ليمنع احتكار القرار من قبل السلطة التنفيذية، وليضمن أن أي تصرف بالثروات الوطنية يتم عبر نقاش علني، وموافقة تشريعية، ورقابة شعبية غير مباشرة وعندما يُبرم أي اتفاق أو امتياز خارج هذا الإطار، فإن ذلك لا يشكل فقط مخالفة إجرائية، بل انتهاكًا صريحًا للدستور.
ويتكامل هذا الحكم مع ما ورد في المادة (33/2) من الدستور، التي اشترطت موافقة مجلس الأمة على المعاهدات والاتفاقيات التي ترتب نفقات على خزينة الدولة أو تمس حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة ولا خلاف على أن الاتفاقيات المتعلقة بالطاقة، أو التعدين، أو الموارد الطبيعية، ترتب التزامات مالية طويلة الأمد، وقد تقيد القرار السيادي للدولة لعقود وبالتالي، فإن نفاذ هذه الاتفاقيات دون موافقة مجلس الأمة يُعد تعديا على صلاحياته وتجاوزًا للإرادة الشعبية التي يمثلها.
غير أن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في تجاوز النصوص، بل في صمت الجهة المخولة دستوريًا بتفعيلها فالمادة (24) من الدستور تقول أن الأمة مصدر السلطات، مما يعني أن البرلمان هو الأداة الدستورية التي تُمارس من خلالها الأمة سيادتها وعندما يتخلى مجلس النواب عن هذا الدور، أو يتردد في ممارسته، فإنه عمليًا يصادر حق الأمة في تقرير مصير ثرواتها، ويسمح بتحويل القرار السيادي إلى شأن إداري مغلق لا يخضع للمساءلة الحقيقية.
إن الدستور لم يكتفِ بمنح مجلس النواب سلطة التشريع والموافقة، بل حمّله مسؤولية الرقابة والمساءلة فقد نصت المادة (51) على أن الوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة وفردية عن أعمالهم وهذه المسؤولية لا تُفعل بالخطابات العامة أو البيانات الإعلامية، بل بالأدوات الدستورية الواضحة السؤال، والاستجواب، وحجب الثقة عند الاقتضاء وأي تهاون في استخدام هذه الأدوات في ملفات تمس الثروة الوطنية يُعد تفريطًا بالواجب الدستوري لا يمكن تبريره بأي اعتبارات سياسية.
كما أن الثروات الطبيعية تُعد جزءًا لا يتجزأ من المال العام، الذي أوجب الدستور حمايته ومنع التفريط به، وأخضعه لرقابة ديوان المحاسبة فالتصرف بهذه الموارد خارج الأطر الدستورية والقانونية لا يهدد فقط الوضع المالي للدولة، بل يضرب مبدأ العدالة بين الأجيال، إذ تتحمل الأجيال القادمة أعباء قرارات لم تكن شريكة فيها ولا تملك القدرة على مراجعتها.
سياسيًا، يؤدي الصمت النيابي في مثل هذه القضايا إلى تآكل خطير في ثقة المواطنين بمؤسسة البرلمان وبالحياة النيابية ككل فالمواطن الذي يرى ممثليه عاجزين عن حماية الدستور والثروة الوطنية، سيفقد إيمانه بجدوى المشاركة السياسية، وسيشعر بأن صوته الانتخابي لم يعد وسيلة حقيقية للتأثير وهذا التآكل في الثقة لا يهدد صورة البرلمان فحسب، بل ينعكس سلبًا على الاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة.
وفي المحصلة، فإن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه ليس لماذا أبرمت الحكومة هذه الاتفاقيات؟ بل من يحمي الدستور حين يصمت البرلمان؟ إن مجلس النواب، بوصفه الحارس الأول للدستور وممثل الإرادة الشعبية، لا يملك حق الصمت في القضايا السيادية الكبرى فإما أن يقوم بدوره الدستوري كاملًا، ويحاسب ويمنع ويصوب، أو يتحمل المسؤولية السياسية والتاريخية عن التفريط، لأن السكوت عن انتهاك الدستور لا يقل خطرًا عن انتهاكه نفسه، ولأن الثروة الوطنية لا تحتمل صمتًا نيابيًا .
الكاتب من الأردن