الإسرائيلية ليوم السبت 18-2-2017

رئيس حماس الجديد يحيى السنوار يعرف أن سكان غزة الجوعى ضاقوا ذرعا من التصريحات الفارغة.. والهدنة مع اسرائيل هي الخطوة المنطقية بالنسبة له والتي ستُمكن من اعادة اعمار غزة

بقلم: رؤوبين باركو
في شباط 2006 قريبا من انتصار حماس في انتخابات السلطة الفلسطينية، قام مراسل القناة الاولى، يورام بن نور، باجراء مقابلة مع قائد حماس في سجن ايشل، يحيى السنوار. المقابلة التي تمت باللغة العبرية تركت انطباع بأن السنوار رغم كونه مؤسس ذراع “المجد” للقضاء على المتعاونين، ومن مؤسسي عز الدين القسام، وارهابي قام بتنفيذ عمليات شديدة ضد اسرائيل، فهو شخص “يمكن عقد الصفقات معه”.
الرجل الدموي قرر نقل رسالة مصورة للجمهور الاسرائيلي والقيادة الاسرائيلية. وحسب اقواله حماس مستعدة لاجراء “هدنة” مع اسرائيل على مدى جيل أو أكثر. واعترف السنوار بـ “نحن نعترف أنه لدى اسرائيل 200 قنبلة نووية وسلاح جو متقدم وهجومي، لذلك لن نتمكن من القضاء على اسرائيل”. وأضاف “حماس لن تعترف أبدا بحق اسرائيل في الوجود، لكنها ستؤيد الهدنة طويلة المدى وكل شيء يساعد على الهدوء والاستقرار في المنطقة”. وأكد السنوار: “لقد نغصنا على حياة اسرائيل بالمقاومة وسننغص عليها في المفاوضات حول الهدنة. ولكن عندما سنوافق عليها سنثبت بأننا نلتزم بكلمتنا”.
الحديث يدور عن مقابلة قديمة وجريئة في ظل النشوة التي عاشتها حماس في الانتخابات. هل اقواله هذه ما زالت صالحة بعد انتخابه رئيسا لحماس؟ لا يجب التقليل من اهمية الاقوال السابقة والتي تم اسماعها امام العدسات. هذا الرجل توجه للجمهور الاسرائيلي، لكن اقواله ترجمت وبثت في وسائل الاعلام الفلسطينية ايضا. ويبدو أنه رغم مرور الوقت وتغير الظروف، فان الحديث يدور عن رؤيا ثاقبة نحو المستقبل، وهذا قبل أن تتعرض حماس للضربات الشديدة من الجيش الاسرائيلي.
منذ ذلك الحين انفصلت غزة عن السلطة الفلسطينية من خلال انقلاب عنيف مع كثير من القتلى من فتح وحماس، وعدد كبير من الجولات العنيفة ضد اسرائيل، بعضها كان بعد اطلاق سراح السنوار من السجن في صفقة شليط. خطوات حماس العنيفة التي دفعت ثمنا باهظا لها لم تتسبب في تحقيق حماس لاهدافها الاستراتيجية، بل عملت على توسيع الفجوة بينها وبين السلطة الفلسطينية وأكدت على عدم امكانية تحقق حلم الدولة الفلسطينية.
باستثناء الانجاز المعنوي الذي حققته حماس من صفقة شليط، فان جولات الارهاب ضد اسرائيل انتهت بتحطيم العظام وقتل نشطاء المنظمة وتدمير البنى التحتية ومئات القتلى من المدنيين والمباني المهدمة. محاولات حماس تكرار اختطاف الجنود من خلال الانفاق والتسبب بكارثة للمواطنين الاسرائيليين من خلال الصواريخ، فشلت، وأبقت منازل غزة وسكانها أمام انجازات حماس البائسة، رغم أنها تعهدت بتحرير فلسطين وتحرير سجناء حماس من السجون الاسرائيلية.
حماس تحاول بلا توقف ايجاد آفاق ارهاب جديدة من اجل اختطاف الجنود والمواطنين الاسرائيليين وتقوم ببث الأمل الكاذب من خلال استثمار الاموال التي خصصت لاعمار القطاع، حيث تسعى للتسلح العسكري. وفي العام الماضي بدأت تسمع في قيادة المنظمة انتقادات لفائدة الاضرار القليلة اذا تم استئناف المواجهة العسكرية مع اسرائيل. وهذا بروح احاديث سنوار القديمة اثناء وجوده في السجن الاسرائيلي.
لم تختف عن قائد حماس حقيقة أن الواقع تغير الى الاسوأ بشكل دراماتيكي: في الغرب وفي غزة ايضا فهموا أن اسرائيل سترد دائما بقوة وتؤلم. وسلمت تركيا لاسرائيل، ودول الخليج تحتاج الولايات المتحدة من اجل الوقوف أمام الخطر الايراني، والموضوع الفلسطيني وحماس اصبحا على الهامش.
إرث الارهاب الوحيد الذي أوجده الفلسطينيون تم تبنيه من قبل الاسلاميين في العالم، أما الغرب فقد قلص اسهامه لغزة بسبب مشكلاتها الاقتصادية. ايضا السلطة الفلسطينية تقيد ضخ الاموال الى القطاع. واعتماد حماس على ايران ايضا، التي تقوم بقتل السنة في الشرق الاوسط، ينشيء تحفظا من حماس في العالم العربي. ومصر التي تعمل ضد حماس وشركائها الاخوان المسلمين وداعش تؤلم المنظمة وتطلب منها دفع ثمن فتح معبر رفح والتنصل من الايديولوجيا الخاصة بالاخوان المسلمين وتسليم نشطاء داعش لمصر.
نشطاء ميدانيون وليسوا اصحاب ياقات
تعكس اقوال السنوار المفارقة. فمن جهة، الاقتناع بأنه لا يمكن هزيمة اسرائيل، ومن جهة اخرى السعي الى تكرار نموذج اختطاف شليط واطلاق سراح أسرى، وبذلك رفع نقاط حماس. الدمار الذي ستقوم باحداثه اسرائيل أمام محاولة كهذه واضح لسنوار، وهذا يوجد في اساس الردع الاسرائيلي الذي يتم التأكيد عليه باستمرار. الحل المحتمل هو هدنة لتأجيل المواجهة وزيادة التسلح.
إن انتخاب سنوار للقيادة مؤخرا يعكس نجاعة نشطاء الميدان الذين جربوا ضربات الجيش الاسرائيلي أكثر من اصحاب الياقات السياسيين الذين حركوا حماس من قطر عن بعد. القيادة الجديدة لحماس في غزة تملك القوة والكاريزما والصلاحية. الحديث يدور عن قيادة تقليدية لكنها نازفة. هؤلاء الاشخاصي الذين خرجوا من الانفاق في اعقاب الجرف الصامد اكتشفوا ان عائلاتهم التي بقيت على قيد الحياة جائعة وأنه لا توجد مساعدات تحت الانقاض.
قادة حماس الجدد لن يسارعوا الى مواجهة جديدة مع اسرائيل. استمرار تسلح حماس في غزة يعني استمرار المواجهة المعروفة مسبقا، لكن بدون الاعمار يزداد الاحباط. في المقابل كل اعمار سيضع اسرائيل أمام اهداف جديدة ويمنحها عناوين اخرى للتدمير والردع ضد حماس وناخبيها ومؤيديها.
بروح حلمه في السجن، سيضطر الارهابي رقم واحد في حماس الى عقد صفقة معقولة مع اسرائيل لاطلاق سراح السجناء، الامر الذي يؤكد على صورته ويسمح بالتوجه في مسار براغماتي لتحسين شكل القطاع. وحماس تطلب اطلاق سراح مئات الاسرى مقابل كل جندي اسرائيل مقتول لديها. هكذا تقدم حماس قيمة البورصة البائسة لرجالها وتضر بصورة الاسلام.
المفاصل الاساسية في طريق قرار السنوار هي الهدنة والاعمار أو المواجهة والدمار. يمكن أن اسرائيل ستساعد في اعمار القطاع، لكنها ليست الضفدع التي ستحمل العقرب على ظهرها الى شاطيء الامان وتتعرض للدغة الموت. في سيناريو مثل هذا سيكون هذا ايضا العقرب الذي سيموت من تلقاء نفسه. وقد أوضح السنوار في العام 2006 أنه يفهم ذلك.
اسرائيل اليوم

قد يعجبك ايضا