اختلال هيكلي في الرواتب وفاضح بالـ«سيباتيكال»

في بداية الربع الاخير من القرن الثامن، وفي مثل يوم أمس، أسس بنجامين فرانكلين أول جمعية أميركية لمكافحة الرق، وبعده بمئة عام أعلن ابراهام لينكون بداية تحرير العبيد في الولايات المتحدة. إن ما ينافي عقيدة العبودية، التي مازالت قائمة في الدول الفقيرة، والتي راح ضحيتها في مثل يوم أمس من عام 95 أشهر طفل باكستاني، إقبال مسيح الذي اغتيل لمحاربته بيع الاطفال، حيث كان مباعا منذ سن الخامسة، ما ينافيها هو مبدأ «الأجر مقابل العمل»، والكويت بدأت دولة قاحلة، كان الرق فيها محدودا، واشتغل أغلب أهلها بمهن تستند الى هذا المبدأ، حتى ظهر النفط وتأسس قطاع العمل الحكومي، ليعمل فيه أغلب المواطنين. وعلى مر السنين قفز بند الرواتب ليصبح في موازنة 18/17 ما يقارب 10.7 مليارات دينار، وبالرغم من ذلك فما زلنا نشكو من نقص في المهن الوطنية، وخاصة في المدرسين والاطباء، ثم تأتي الدولة وتقول إن هناك عجزا، فدعونا نقل للحكومة إن هناك سوء دبره، بالكويتي، أي سوء إدارة لموارد الدولة.
هل يتخيل الاطباء بدرجة مساعد مسجل ومسجل، وهم يعتبرون الايدي الأكثر عملا بالمستشفيات، وتتراوح رواتبهم ما بين 1800 إلى 2350 دينارا، الذين يصحون صباحا الساعة 5:45 ليكونوا على طاولة «اجتماع الصباح» اليومي، ثم ينطلقون في المرور على المرضى بعمل كادح مضن، ويتحملون مسؤولية حساسة مع رؤسائهم المباشرين، بمنصب مسجل أول، الذين تصل رواتب بعضهم الى 3800 دينار، هل يتخيلون وهم تحت طائلة الخفارات الليلة غير مدفوعة الأجر، أن هناك بعض الاشخاص بمنصب دكتور أكاديمي في المؤسسات التعليمية كالجامعة والتطبيقي، يتقاضى بعضهم ضعف راتبهم مرتين وثلاث وأربع مرات، بحيث يصل مرتب اصحاب المناصب الاشرافية منهم الى قرابة 8 آلاف دينار شهريا لمدة سنتين وزيادة فوقها 4 آلاف لسنة ثالثه اضافية، نعم شهريا، وهو قاعد بالبيت بالكويتي «يصبغ بيض»، كتعبير مجازي عن عدم عمل أي شيء، او في سياحة وسفر، او يبني أو يرمم بيته، كل هذا تحت بند «التفرغ العلمي»، وهي إجازة تمنح لبعض الدكاترة الاكاديميين ممن تنطبق على بعضهم الشروط، الشروط المطاطية بالمحسوبية. بل هل يتخيل هؤلاء الاطباء ان بعض هؤلاء الدكاترة الذين يصبغون البيض بعد انتهائه من اجازة «التفرغ العلمي» لا يسأل أين البحث أو الكتاب؟ ولا في ما بحثت وكتبت؟!
هل يعلم اعزاؤنا الاطباء أن بعض الدكاترة الاكاديميين يدرس الموسيقى براتب الدكتور العادي الذي يصل 4 آلاف دينار، لثلاثة أو ستة طلاب فقط خلال الفصل؟
هل تعلم الحكومة أن ميزانية التعليم المهدورة تذهب الى هؤلاء أصحاب التفرغ العلمي بينما هناك عجز في ميزانية الشعب والفصول الرئيسية والصيفي، وما أدراك ما الصيفي الذي يوزع على البعض بالمحسوبية، والذي يتسلم فيه الدكتور راتبا مضاعفا. وهل تعلم الحكومة ما هو بند الانتداب الذي ينغمس أحيانا بالتنفيع وتزوير الاوراق، ولدينا أدلة دامغة على ذلك، وهم دكاترة ينتدبون لعدم كفاية اعضاء هيئة التدريس بالقسم، بينما الدكاترة أولادنا في طابور التوظيف يتم رفضهم؟
هل انجلط الاطباء من هذه المعلومات أو بعد؟ لذا فعليهم أن يأخذوا الان «بيبي اسبرين» قبل قراءة المعلومة القادمة، بأن هناك بالقطاع النفطي حارس بوابة يتسلم مثل أو مرة ونصف المرة ضعف راتبهم؟
هذه أمثلة بسيطة للاختلال الهيكلي ليس في سلم الرواتب فحسب، بل في الباب الخلفي للرواتب الذي تخر منه ملايين الموازنة على شكل تفرغ علمي ومخصصات وبدلات وسفرات، في حين تعاني الموازنة الرئيسية من سوء توزيع بشكل لا يلبي المتطلبات الرئيسية لهيكل سوق العمل، لذا صار على الدولة، إن كانت جادة في خطتها القادمة، التي نخشى أن تكون كشاكلتها، أن تعيد بناء الاختلال الهيكلي لسلم الرواتب، بشكل حاد وحازم وان واجهت نواباً في المجلس، وخصوصا البدلات والمخصصات وخاصة الهدر الفاضح في التفرغ العلمي، بالانكليزي، «سيباتيكال».

بدر خالد البحر

[email protected]

قد يعجبك ايضا