معالجات الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية… خلل في إدارتها وتعميق الفساد
بقلم: د. تيسير فتوح حجه …..
الأمين العام لحركة عداله.
تعيش السلطة الفلسطينية أزمة مالية مزمنة لم تعد خافية على أحد، أزمة تجاوزت كونها ظرفًا طارئًا ناتجًا عن الاحتلال أو القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة، لتصبح انعكاسًا مباشرًا لخلل عميق في بنية الإدارة المالية، وسوء التخطيط، وغياب العدالة في توزيع الأعباء، ما أدى إلى تعميق مظاهر الفساد والإفقار المنظم لفئات واسعة من المجتمع، وعلى رأسها الموظفون والعمال والمتقاعدون.
لقد اعتادت الحكومات المتعاقبة التعامل مع الأزمة المالية بعقلية ردّ الفعل لا بعقلية الإصلاح البنيوي. فبدل الذهاب إلى معالجة جذرية تقوم على الشفافية، وترشيد النفقات غير الضرورية، ومحاربة الفساد بجرأة، جرى تحميل العبء دائمًا للحلقة الأضعف: الموظف الذي يُقتطع راتبه، والعامل الذي يُحرم من أجره، والمتقاعد الذي يُترك لمصيره، في وقت بقيت فيه الامتيازات العليا، والسفريات، والرواتب الخاصة، والمخصصات غير المبررة، بمنأى عن أي مساس حقيقي.
إن ما يُسمّى “إدارة الأزمة” تحوّل في الواقع إلى سياسة دائمة لتدوير الأزمة لا حلّها. سياسة تفتقر إلى العدالة الاجتماعية، وتضرب الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم، وتُنتج حالة من الإحباط العام، وتفتح الباب واسعًا أمام الفساد الإداري والمالي، سواء عبر غياب الرقابة الفعلية، أو من خلال التسويات والقرارات الاستثنائية التي تُتخذ خارج إطار القانون والمساءلة.
من منظور حركة عداله، فإن الأزمة المالية لا تُحلّ بالمسكنات ولا بالشعارات، بل بخيارات وطنية شجاعة، تبدأ أولًا بالاعتراف بالفشل الإداري القائم، وثانيًا بإعادة هيكلة شاملة للإنفاق العام، وثالثًا بإرساء نظام مالي عادل يضمن توزيع الأعباء بعدالة، لا أن يُترك الفقراء وحدهم يدفعون الثمن. فلا يعقل أن تستمر سياسة الاقتراض، أو تأجيل الرواتب، أو الزج بالموظفين في قضايا حبس بسبب شيكات راجعة، بينما يُغضّ الطرف عن مكامن الهدر والفساد.
كما تؤكد حركة عداله أن أي معالجة حقيقية للأزمة يجب أن تقوم على الشفافية الكاملة في عرض الأرقام، والمصارحة مع الشعب، وإشراك النقابات والمؤسسات الرقابية والمجتمع المدني في صنع القرار المالي، بدل تغييبهم وتحويلهم إلى متلقين للأزمات فقط. فغياب الشراكة الوطنية في إدارة المال العام هو أحد أسباب الانهيار المتكرر.
إن استمرار النهج الحالي لا يهدد فقط الاستقرار الاجتماعي، بل يقوّض أسس الصمود الوطني، ويُضعف الثقة بالمشروع السياسي برمّته. وعليه، فإن الإصلاح المالي لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية، تبدأ بمحاسبة الفاسدين، واستعادة المال العام، ووقف السياسات التمييزية، وبناء إدارة مالية كفؤة تخدم المواطن لا تُثقل كاهله.
ختامًا، تقول حركة عداله بوضوح:
لا يمكن مواجهة الاحتلال بسلطة منهكة من الداخل، ولا يمكن بناء دولة على قاعدة الظلم المالي وغياب العدالة. الإصلاح الحقيقي هو المدخل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من ثقة الناس، وصون كرامتهم، وحماية مستقبلهم.
الكاتب من فلسطين