عندما سحب عمرو أديب صك الوطنية من أحمد طه!

«كايدة» قناة «الجزيرة» هذه، فامتثالها لشعارها «الرأي والرأي الآخر»، جعل منها أداة «مكايدة» للخصوم بمن في ذلك الذين طالبوا بإغلاقها، وجعلوا هذا من شروطهم لرفع الحصار عن قطر!
في الأسبوع الماضي تمكن برنامج «المسائية» على «الجزيرة مباشر»، من أن يحرز هدفاً في مرمى الإعلام الانقلابي في مصر، وبصنعة «معلمة»، جمعت بين الأداء المهني فائق الجودة، وأعمال «المكايدة» كما وردت في الكتاب!
فقد كان المتألق «أحمد طه» يستضيف إثنين من أهل الحل والعقد في مجالهما، الأول هو نقيب الفلاحين المصريين السابق «عبد الرحمن شكري»، والثاني هو الأكاديمي «عبد التواب بركات» الخبير بمعهد البحوث الزراعية في مصر، وهناك من مثل الرأي الآخر من القاهرة، وكان موضوع الحلقة هو القانون الذي صدر ويجرم زراعة الأرز، وقصب السكر، والكتان، باعتبارهم من المحاصيل الزراعية التي تحتاج للمياه بوفرة، ومصر قادمة على شح مائي مطاع!
تابعت الحلقة منذ بدايتها، لاسيما وأننا أمام إثنين من أهل الاختصاص، وكان كلامهم في الموضوع، ولا أظن أن من جيء به ليقول الرأى الآخر كان له اعتراض على ما قيل، فمن هذا الذي يبرر للجريمة التي تحدث، عندما يتم تبوير مئات الأفدنة من الأراضي الزراعية؟!
قال «عبد الرحمن شكري» إن الأراضي التي يزرع فيها الأرز لن تصلح لزراعة أي محصول آخر، لأنها في الأساس أرض مالحة، وكان اقتراح «عبد التواب بركات»، هو الالتزام بنظام الدورة الزراعية، الذي من شأنه أن يوفر ربع كمية المياه المستهلكة على الزراعة!
وهو كلام متخصص ليس فيه قدح أو ذم، لكن «عمرو أديب» المذيع بقناة «أون» نقحت عليه الوطنية الزائفة، عندما يكون الوطن هو عبد الفتاح السيسي، وهاجم «أحمد طه» فكيف بإعلامي مصري، أن يحرض الفلاحين على الدولة، ويسعى في خرابها، وأهله لا يزالون يعيشون فيها، وهذا هو بيت القصيد!

يهاجمون مصر

فالرئيس السادات هو من اخترع تهمة الذين يهاجمون مصر في الخارج، وكان يقصد بذلك كتّاب اليسار، الذين هربوا في عهده إلى بلاد «الصمود والتصدي»، مثل ليبيا، وسوريا، والعراق، ومنهم من ذهب إلى باريس، وكان الاتهام يلحق بالكتّاب الذين يكتبون في الصحف الخليجية المعادية، ومنها بالمناسبة جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، وعلى ما أتذكر أنهم أطلقوا إذاعتين واحدة من طرابلس، والثانية من بغداد، واحدة اسمها «مصر الحرة» والثانية «مصر العربية»، وكان المتحدث الأبرز اسمه «أبو فراس»، وأتذكر كيف أن الناس كانوا يلتقطون إشارة البث ليلاً بصعوبة، والصوت ليس مستقراً، ومع ذلك فقد كان الاستماع إلى «أبو فراس» مهماً وهو يصب جام غضبه في كل ليلة على السادات وحكمه وسياساته!
وصرخ السادات: إنهم يهاجمون مصر في الخارج يا ولاد. وباعتباره مصر كما عبد الفتاح السيسي الآن، ووصل الحال به إلى حد اعتباره أن من يكتب في الخارج هو خائن لبلده، حتى وإن لم يكن معارضاً، واشترط على رؤساء تحرير الصحف، ألا يسمحوا للكتّاب والصحافيين بالجمع بين العمل في صحف الخارج والصحف المصرية، فالتزم «مصطفي أمين» وتوقف عن نشر عموده اليومي «فكرة» في «الشرق الأوسط» مع أنه كان ينشر بالتوازي مع جريدة «الأخبار» المصرية!

الجزيرة والرفاق

عقب الانقلاب العسكري، ولأن أهل اليسار ظنوا أنها دانت لهم وأنهم صاروا من أهل الحكم فقد استدعوا تراث الحكام، فاعتبروا أن مجرد الظهور على قناة «الجزيرة» هو عمل من أعمال الخيانة، مع أنهم كانوا من ضيوفها المقيمين، فلم تنفتح إلا عليهم، ومنهم من تحققت نجوميتهم على شاشاتها، رغم هجوم سدنة المعبد في عهد مبارك على من يهاجمون مصر في قناة «الجزيرة»!
وقد قرأنا للبعض منهم عندما يريد أن يؤكد على وطنيته، كيف أنه رفض عرضاً مغرياً للظهور على قناة «الجزيرة»، فوطنيته «نقحت» – من النقح – عليه، فقال: «معاذ الله»، بعد أن همت الجزيرة به، وهم بها، كما نقح «عرق الوطنية» على خالد الذكر «عمرو أديب»، فقام بوصلة هجاء في «الجزيرة» ومذيعها «طه».
أن تدعو «الجزيرة» من يمثلون الرأي المنحاز للانقلاب العسكري للظهور على شاشاتها فإن هذا أمر يحسب لها، ولا يضيف إليهم سواء لمجرد الدعوة أو حتى مع رفضهم لذلك، وهل المقرر الدراسي رئيس مركز الدرميء لحقوق الإنسان «محمود إبراهيم» قيمة علمية فذة، ليكون مقرراً، ويظهر على شاشة «الجزيرة» أكثر من ظهور «خديجة بن قنة» عليها!
إنني أدرك منذ البداية، أن الرفض مرده إلى الخوف من سلطة لا تتسامح مع من يظهرون على القناة القطرية، لأنها تعمل عند محمد بن زايد في الأساس. وهم في مرحلة التقرب إليها بالنوافل وقد اعتقدوا أنهم أصبحوا جزءاً منها، وهناك نقطة على درجة كبيرة من الأهمية، وهي أن القنوات التلفزيونية المصرية فتحت أبوابها أمام هؤلاء، فكان الواحد منهم يخرج من استوديو إلى استوديو، ومن قناة إلى قناة، فما هي حاجتهم للجزيرة؟ ثم علم كل أناس مشربهم، فتم إغلاق عموم الأستوديوهات أمامهم بالضبة والمفتاح!
فكثير منهم لم نعد نراه البتة على الشاشات، وعلى مدى عام كامل، فإن عبد الحليم قنديل جرت استضافته مرات معدودات ليتحدث عن كرامات السيسي، وكان حديثه مع «عمرو أديب» فقط، المسؤول الحصري الآن عن صكوك الوطنية، وبمقتضى هذه المسؤولية أوشك أن يعطي درساً في الوطنية لأحمد طه، قبل «حركة المعلمة» التي سنتطرق لها بعد قليل!
لقد استيقظ «الرفاق» ذات يوم فاكتشفوا أنهم كانوا مجرد أداة للانقلاب العسكري، وغطاء مدنياً له، ليس إلا وأن الحاكم الفرد هو كالفريك لا يحب شريكاً، حتى لو كان هذا الشريك هو توفيق عكاشة، الذي ظن أنه صاحب ثورة 30 يوينو الباسلة، والتي جاءت بالسيسي حاكماً، وقد بذل كل ما في وسعه ليثير شفقة «أبو محمود عبد الفتاح السيسي»، فادعى المرض، وكان آخر محاولاته إعلانه تصفية قناة «الفراعين» لتسديد ديون عليه، رغم اعترافه في السابق بتلقيه تمويلاً من الإمارات ومن بعض أقباط المهجر، ثم إن جمعيته: «شباب الإعلاميين وأسرهم وغيرهم» تكفي الأراضي الممنوحة لها من السلطة للانفاق على التلفزيون المصري ذاته، الذي تتجه النية الآن لتصفيته، فمبناه يقع ضمن حزام مثلث ماسبيرو الذي اشتراه محمد بن زايد ويجري إخلاء السكان منه!

الانضمام لصفوف الجماهير

لقد سقطت كل المبررات لعدم ظهور «الرفاق» على الجزيرة، فليسوا حكاماً، كما أن أن القنوات التلفزيونية المصرية توقفت عن استضافتهم، وقد انضموا لصفوف الجماهير، وليس لهم أن يتهموا المعارضة في الخارج بالخيانة، لكن بقي الخوف من الظهور على «الجزيرة» لمعارضة قرار أو تصرف، وقد تعلموا من رأس الذئب الطائر، فبعد أن ظهر الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح على قناة «الجزيرة مباشر»، تم اعتقاله وهو في سجنه الآن يلاقي الآمرين. وبالمناسبة فقد كان من حاوره هو «أحمد طه» أيضاً!
ولأن من خاف سلم، فإن «الرفيق» من هؤلاء لديه استعداد للظهور على قنوات تركيا المعارضة «مكملين، والشرق، ووطن»، ولا يظهر على «الجزيرة»، لكن «عمرو أديب» لا يزال، وسيظل، تعبيراً عن الحكام، ولو حكمت الثورة، لذا فقد اعتبر أن مناقشة منع زراعات الأرز وغيره، عمل ينتقص من الوطنية، فهاجم «أحمد طه» من هذه الزاوية، ليجد نفسه على «الجزيرة مباشر» في التو واللحظة، فيعلق على هذا الظهور، فيجد تعليقه منقولاً أيضاً، وعندما ينتبه إلى أنه أصبح «اتنين»، اللقطة التي هاجم فيها «طه»، و»اللقطة» التي علق فيها على ظهوره على «الجزيرة» ينتبه إلى أنه صار ثلاثة، فقد تم نقله كلية على الهواء مباشرة بجانب لقطتي التسجيل، لذات الحلقة!
درس عملي، في أن «الجزيرة» هي قناة «الرأي والرأي الآخر»، ولا تضيق ذرعاً بمن يهاجمونها، بل ومن يهاجمون الدولة القطرية، وفي هذه الليلة كان تصريح وزير خارجية السعودية، عن القاعدة الأمريكية التي لولاها لسقطت قطر، يذاع في نشرة الأخبار بها ومنشوراً في شريط الأخبار، وفي أزمة الحصار لم يكن المشاهد بحاجة للذهاب إلى «العربية» أو «سكاي نيوز العربية» ليقف على هجوم قادة دول الحصار على قطر، فالهجوم تنشره «الجزيرة» صوتاً وصورة!
ما علينا، فالوطنية ليست صكاً يمنحه الحكّام، وأذيالهم، لاسيما إذا عُرف عنهم التفريط في الأرض، وفي المياه، فمنع زراعة الأرز وغيره من المحاصيل، كشف عن أن مصر مقبلة على كارثة مائية، ليست قدراً ولكنها من صنع السيسي الذي وقّع على اتفاق المبادئ بما يعني موافقة مصرية على بناء سد النهضة بدون ضمان قطرة مياه واحدة لمصر أو للسودان، وهو ما قاله في حينه خبير السدود الدكتور أحمد المفتي في برنامج «بلا حدود» على قناة «الجزيرة» أيضاً
ورغم الآمال التي ينثرها النظام الانقلابي في مصر، فهناك أمل في عودة المفاوضات مع أثيوبيا، فإنه في قرارة نفسه يدرك أن العطش آت لذا فإنه يستقبل هذا بمنع زراعة محاصيل استراتيجية، بما يمثل مخاطر على الأمن القومي المصري!
لقد ناقش «أحمد طه» الأزمة بمهنية، وكمقدم برامج يدير الحوار ولا يوجهه، وتحدث ضيفاه من منطلق وطني يليق بكونهما مصريين، لم يفرطا، ولم يتنازلا عن حصة مصر من مياه النيل، ولم يجرما زراعات قائمة في مصر منذ آلاف السنين، فلم تجرم إلا في عهد «أبو الوطنية» عبد الفتاح السيسي، وتابعه «عمرو»، الذي وجد نفسه على شاشة «الجزيرة»!
«ملعوبة»!

صحافي من مصر

قد يعجبك ايضا