عصر الشهرة
د. نادية القناعي
إذا طلبوا منا أن نطلق اسماً على هذا العصر، فلا أتوقع أن يكون هناك اسم يناسبه أكثر من الشهرة، حتى أن الشهرة في زمننا الحالي فاقت بسرعتها السرعة نفسها، فلا عزاء لعصر السرعة. إن الغالبية صارت تتهافت على أن تصبح من المشاهير في هذه الحياة، وسعادتها لا تكاد تسعها حين ينضوي اسمها في قائمة المشاهير.
إن الإنسان لديه نزعة الى أن يشعر بوجوده، والبعض يربط وجوده بالآخرين. لذلك يعتقد أنه موجود فقط إذا أشار الناس إليه بالبنان! أي «أنا يُشار إليّ بالبنان، إذاً أنا موجود»، يعني أنه يعتقد بالنصف الثاني من مقولة ديكارت ولا عزاء للنصف الأول. عندما تسأل شخصاً يقوم بعمل معين عن هدفه الذي يتمناه جراء هذا العمل الذي يقوم به يُجيبك بكل صراحة بأنه يطمح الى أن يكون مشهوراً. لن أكون مع أو ضد هؤلاء الأشخاص، لأن العمل الذي أقصده في الجملة الآنفة الذكر هو العمل الذي ليس عليه غبار. لكن مع ذلك فإن العالم سيكون كله ضد من يفتعل الخلافات والعداوات، ويشتم الآخر ويتهمه، ويأتي بأفعال مبتذلة، ويتخلى عن أخلاقه ومبادئه وإنسانيته، ويقوم بأمور غريبة وخارجة عن طبيعة البشر، وهذا كله لماذا؟ لكي يصبح مشهورا، حسب وجهة نظرته، ولكي يثبت وجوده حسب مفهومه المغلوط عن الوجود! هو لا يعلم أنه بهذه الأفعال المشينة قد ألغى وجوده كلياً، وأن شهرته التي يزعمها هي شهرة مزيفة لا وجود لها إلا في ذهنه.
إن الكثير قد أصبحوا مشاهير في زمانهم، لكن قلما يذكرهم أحد الآن. وحتى في زمننا الحالي نرى أناساً قد عرفهم القاصي والداني لفترة ثم تلاشى ذكرهم إلى الأبد! ويأتي السؤال الأهم ما هي الشهرة؟ في الحقيقة لم أجد إجابة أفضل مما قاله الكاتب يوسف معاطي، حيث كتب: «ماذا تعني الشهرة؟ هل أن يعرفك الناس؟! أعتقد لا، الشهرة أن تعرف أنت الناس».
د. نادية القناعي
[email protected]