انعطافة بينيت وشكيد
على منصة الكنيست وقف أمس سياسيان شابان متحدثان وواعدان، اللذان رغم سنواتهما القليلة في السياسة تمكنا من تطوير طموحات للوصول إلى رئاسة الحكومة. في الدولة التي يكون المؤهل الأساسي لرئيس الحكومة فيها هو القدرة على إدارة الأزمات التي تنفجر في غرفته مثل أمواج البحر، فإن الدرجة التي يحصل عليها كلاهما على الطريقة التي أدارا فيها الأزمة التي خلقاها هي صفر.
نفتالي بينيت يتصرف مؤخراً كشخص يتخبطه الشيطان، كشاب مصاب بالحركة الزائدة من المستوى العالي حسب المقياس. بين يوم الخميس الماضي ويوم الأحد، ركض وربما وعد أو هدد: حقيبة الدفاع الآن أو انتخابات الآن! وقد جر معه إلى هذا التهديد وزيرة العدل اييلت شكيد التي بسبب إخلاصها له اضطرت للتعاون. كل بضع ساعات يقوما برفع مبلغ الرهان، وبعد إنذار شخصي سمعنا منهما الفهم المؤسف بأن الحكومة ليست حكومة يمينية، لذلك فإن إسقاطها لا يعتبر خيانة للمعسكر، بل حتى هو إنقاذ له.
أول أمس ليلاً، وبعد خطاب مشتعل لنتنياهو، التقى بينيت وشكيد في تل أبيب. لقد أدركا عمق المشكلة «وكأن أبواب جهنم قد فتحت»، قال المقربون منهما. وقد قصدا تسونامي التوجهات والتهديدات من كبار الصهاينة المتدينين للوزيرين بعدم تنفيذ التهديد بالاستقالة. لقد تحدثا نصف ساعة وقررا النزول عن الشجرة، وجلسا لصياغة خطاب الاستسلام، وعادا إلى البيت للنوم. في هذه الأثناء تلقى بينيت مكالمة من البروفيسور إسرائيل أومين، الفائز بجائزة نوبل. «لا تستقيلا»، قال لهما، «الدولة أكثر أهمية».
تبين لبينيت أنه سيتلقى المزيد من اللكمات، لكن وصية البروفيسور كانت قوية. لقد تعلم درساً آخر، لم يكن جديداً تماماً عليه، لكن قوته هذه المرة أدهشته حتى هو نفسه: إلى أي درجة هو «القطاع» الديني الوطني أسير لنتنياهو. رئيس الحكومة يقول جمل «إسقاط» حكومة اليمين في 1992 و«عملية أوسلو» ـ وفي كل تلال الضفة الغربية يسود الذعر، من الشاطئ إلى الشاطئ.
نتنياهو عرف على أي وتر يعزف في خطابه في وزارة الدفاع. لن نسقط عن الكرسي إذا تبين أنه يمكنه الاستعانة ببحث ما مثل كلب الرعاة المدرب الذي أرجع إلى الحظيرة الخروفين الضالين من القطيع بعملية شاملة من استعراض القوة. صباح أمس، بعد ليلة غير هادئة مليئة بالضغوط والمساومات من العديد من الحاخامات، جاء مشهد التراجع الذي كان أحد المشاهد المحرجة التي تم عرضها هنا. لقد هددوا بالانتخابات أو الحصول على حقيبة الدفاع، ولم يحصلوا على أي واحد من الأمرين.
إن تعبير «أبناء الصفعات» لم يكن مناسباً أكثر مما هو مناسب لهذين الشخصين. ومثل الواعظين في بني عكيفا، هم نقلوا للسامعين ساعة تعليم في الصهيونية التهكمية. كل واحد منهما بدوره اعترف عن صدمة أو حادثة مؤثرة في السابق أدت به إلى الحياة السياسية: هو في حرب لبنان الثانية وهي في زمن الانفصال عن غزة. لقد خطر ببالنا احتضانهما والهمس لهما: «نحن نحبكما، يا نفتالي وشكيد». هذه الانعطافة بـ 180 درجة لرؤساء البيت اليهودي تجسد لنا شيئاً ما تعلمناه منذ زمن: نتنياهو هو شيء مختلف تماماً. في خطابه «بعد قليل حرب» أول أمس في وزارة الدفاع في تل أبيب، نصب لهم شركاً، نثر حولهم حقل ألغام وتركهم يتعرقون بسبب ذلك أثناء الليل.
مثل واعظين في «بني عكيفا» قام كل منهما بإلقاء درس في الصهيونية
لقد كان خطاباً رائعاً، متهكماً، محسوباً، حاداً ومركزاً مثل السكين اليابانية. هو لم يخضع بينيت وشكيد فقط، بل أخضع وزير المالية موشيه كحلون الذي منذ فترة غير بعيدة كان رئيس الداعين إلى تبكير الانتخابات. في شهر آذار القادم، لا أحد يعرف لماذا. عندما أدرك كحلون في أي اتجاه تهب الرياح تراجع في الوقت المناسب. زميلاه وزير التعليم ووزيرة العدل، بالأساس بينيت، فعلا العكس تماماً: تسلقا طابقاً آخر ورفعا التهديدات مرحلة أخرى، وكأن ذلك من أجل أن يؤكدا أن السقوط المشترك من السلم المرتفع سيكون مؤلماً جداً. إن مسار الهبوط أرفقاه بتربيت على الكتف. هذا جيد، لن يقدم لهما أحد هذه الخدمة. الأمر الضروري الوحيد الذي يمكن قوله عن بينيت هو أنه استطاع أن يوقف خسارته في الوقت المناسب.
استفتاء السلوك السياسي المتقلب والفضيحة الكبرى في الحدث في الكنيست كانت انقضاض بينيت الهستيري على المدعي العسكري. يمكننا أن نفهم الإحباط، ولا يجب محاكمة شخص في وقت انسحابه، لكن القول إن المدعي العسكري الأول والمستشار القانوني للحكومة هما المسؤولان عن فقدان الأمن بسبب تعليماتهما للقادة والجنود ـ فهذا يمثل تجاوزاً فظاً للحدود التي تدل على نفاد الصبر. من المفهوم أنه لم يكن متوقعاً من وزيرة العدل قول كلمة دفاع عن رجلي القانوني، الخلاص لن يأتي من شكيد.
الانتخابات تم تأجيلها الآن تقريباً إلى موعد غير معروف، أو على الأقل إلى حين أن لا يقرر نتنياهو مرة أخرى بأنه يروق له الذهاب إلى صندوق الاقتراع. مبدئياً، ائتلاف بيبي الذي يتملكه الخوف يمكنه المواصلة حتى عيد الفصح في نهاية شهر آذار/مارس.
في اللعبة السياسية يوجد الآن منتصر واحد ووحيد فقط هو نتنياهو. بينيت وشكيد هما الخاسران. ليبرمان الذي اعتقد أن استقالته ستسرع الانتخابات، خرج مثل فارس. يئير لبيد وآفي غباي لم يشعر بهما أحد. في حين أن الورقة القوية للانتخابات القادمة، خزان المقاعد الذي يمشي، بني غانتس، أصيب أول أمس في اللقاء الذي ألقى فيه خطاباً باهتاً وغير قيادي، لم يقل فيه أي شيء باستثناء شعار عن المسؤولية وما شابه. بعد عدة خطابات كهذه، فإن هذا الخيار أيضاً سيظهر لمن يتنبأون بإسقاط حكومة نتنياهو بأنه أمر غير وارد.
يوسي فيرتر
هآرتس 20/11/2018