ليبرمان والعرب في إسرائيل

 

في قصيدة «لماذا يضحك النيل؟» التي كتبها بديع خيري ولحنها الموسيقار المصري سيد درويش، تقول فتاة عن حبيبها «هو يمشي وينظر لي ويتظاهر بأنه يخاصمني، وفي كل يوم هو يسأل عني عندما أنزل إلى النيل لملء الجرة». أنا أذكر هذه الأغنية كلما يحاولون في المجتمع العربي في إسرائيل التظاهر بأنهم يتجاهلون هذا الرجل الذي يؤثر في السنوات الأخيرة أكثر من أي شخص آخر على هذا المجتمع، وهو افيغدور ليبرمان.
زعماء الوسط العربي يردون بسخرية على أقوال هذا الرجل، ويطلقون الاستهزاءات الكثيرة على خطواته. هذا ليس سوى تظاهر. في فحص النتيجة هذا هو الرجل الذي قرر الخطوات الأكثر مصيرية لهذا المجتمع في الفترة الأخيرة. في كل مرة يقوم فيها ليبرمان بخطوة هامة، فإنه يؤدي إلى هزة في أوساط المجتمع العربي في إسرائيل التي لم تكن لتحدث لولا خطواته.
الخطوة المهمة الأولى لليبرمان كانت عندما طرح خطته لتبادل مناطق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية (المثلث ووادي عارة)، وهذه خطة لم يكن هو مخترعها، بل هو الذي حولها إلى عامل أساسي في حملة حزبه ودفع بها إلى مقدمة الخطاب العام. من المهم أن نذكر بأن أحزاباً يهودية كثيرة في إسرائيل تؤيد هذه الخطة، لكن دائماً يتم بحثها في الغرف المغلقة كجزء من الاتفاق الدائم.
ليبرمان هز المجتمع العربي بهذه الخطة، التي أثارت نقاشاً صاخباً أظهر بصورة كبيرة الضعف العملي لـ «الرواية الفلسطينية» للعرب في إسرائيل. في لحظة الحقيقة تبين أن معظمهم يريدون العيش في إسرائيل مع بطاقة هوية زرقاء، بما في ذلك التمييز والعنصرية ضدهم. وأكثر من ذلك: كل قصائد الحب البطولية للجنة على الأرض (فلسطين) تبين أنها شعارات فارغة. مستوى الحياة هنا أعلى، يتحدثون بصورة أكثر حرية، ورغم أن الديمقراطية عرجاء إلا أنها أفضل من الديمقراطيات التي يتم التغني بها للسلطة الفلسطينية وحماس، التي لا يستحق تعاملها مع حقوق الأنسان الحديث عنه.
إن عداء ليبرمان للعرب في إسرائيل ليس أقوى من مركبات اليمين الأخرى ـ من آفي غباي وحتى لبيد، ومن هناك حتى بنتسي غوفشتاين ـ متكاملة مفتوحة مثلما يقول علماء الرياضيات. ولكن ليبرمان يستخدم طرقاً إبداعية، خاصة به، من أجل المس بهم.
إن نجاحه في رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست السابقة أدى إلى نتيجة؛ التي قبل ذلك ظهرت غير ممكنة بصورة واضحة، وهي: توحيد الأحزاب العربية في قائمة واحدة. هذا التوحيد قبل ليبرمان كان يبدو أمراً مستحيلاً. حتى لو كان هناك من تخيلوا أن حداش وبلد سيسكنان معاً، كان من الواضح تماماً أن حداش لن يجلس في أي يوم مع الحركة الإسلامية على مقاعد الكنيست. هنا جاء ليبرمان صانع المعجزات، والأعداء اللدودون الذين اتهموا بعضهم بعضاً مئات المرات بالخيانة، يجلسون معاً.

توجد له وسائل إبداعية من أجل المس بهم بطريقة يتفوق بها على غيره

هنا بدأوا بالكذب: هذه رغبة المواطنين العرب في إسرائيل، سترون أننا سنحصل على 20 مقعداً بدلاً من الـ 11 التي كانت قبل الوحدة. ولكن الواقع كشف عورة القائمة المشتركة ورؤسائها. الإنجاز كان بائساً ـ 13 مقعداً (بصعوبة) ـ والخصومة داخل منتخب الأحلام هبطت إلى حضيض يذكر بحروب منظمات الجريمة. جهاز تسوية الخلافات المتعفن (لجنة المصالحة) فشل مرة تلو الأخرى في مهمته. وإذا كان في بداية الطريق بدا وكأن كل أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة يصرحون علناً بأن هذا جهاز إلهي، ومن خلال نقاشات داخلية، فإنهم يدينونه بشدة، وإن هذه الإدانات أصبحت مؤخراً أكثر إثارة وفظاظة.
الخطوة الأخيرة لليبرمان ـ الاستقالة من الحكومة احتجاجاً على «الاستخذاء» الذي أظهرته تجاه حماس ـ وهذه أيضاً هي خطوة هزت الوسط العربي في إسرائيل رغم حالات النفي. الخطوة نفسها مضحكة. من قال بإنه إذا أصبح وزيراً للدفاع سوف يصفي إسماعيل هنية خلال 48 ساعة، وها هو يترك وظيفته بعد سنتين وخمسة أشهر، في حين أن هنية يحظى بازدهار لم يحلم به؛ حكومة نتنياهو اليمينية حولت إليه حقائب أموال مقابل الهدوء. إسرائيل، الدولة العظمى العسكرية الوقحة، دفعت رسوم رعاية لمنظمة إرهابية مزودة بسلاح بدائي، ولكنها تعمل بإصرار.
استقالة ليبرمان يمكن أن تقود إسرائيل إلى حملة انتخابات في الربيع القادم. هذا هو الكابوس الأكبر للأحزاب العربية. خطوة كهذه ستكشف طابعها غير الديمقراطي، وستطرح من جديد مسألة اختيار أعضاء القائمة للكنيست، وستكشف ثانية التمسك الشديد لرؤسائها بالمقاعد.
هؤلاء الرؤساء الذين فعلياً يهتمون تقريباً برواتبهم من الكنيست، وبالنسبة لمن أرسلهم إلى هناك يعملون القليل جداً، هذا إذا عملوا، ويطرحون أنفسهم كزعماء للشعب الفلسطيني، ويتصرفون وكأنهم يبذلون من أجله جهوداً فوق بشرية تفوق عدة مرات المقابل البسيط الذي يحصلون عليه، وبدونهم كان سيحكم على الفلسطينيين بالضياع منذ زمن. موسم الأكاذيب عاد. الآن سيبدأون بالظهور وهم يبتسمون في كل القرى العربية وسيقدمون الوعود التي لا ينوون حتى البدء بتنفيذها وسيتحدثون عن إنجازاتهم الكبيرة.
الناخبون العرب في إسرائيل يعرفون أن كل هذه الدعاية لا فائدة منها، لكن للأسف ليس لدينا الكثير من البدائل. ميرتس زندبرغ تحركت نحو اليمين بسرعة صاروخ سكاد، ونحن نصوت في الغالب من خلال المشاعر وليس بعد إجراء حسابات واقعية. إذاً، يا عودة والطيبي وزحالقة، يمكنكم الهدوء، ستنتخبون مرة أخرى.

عبد ل. عزب
هآرتس 20/11/2018

قد يعجبك ايضا