«الإرهاب»… قضية مستهلكة في السينما المصرية
كمال القاضي
الظاهرة الإرهابية في السينما المصرية بدأت منذ أواخر الثمانينيات بعدة أفلام، مثلت موجة جماهيرية حلّت محل أفلام الأكشن قبل أن ينتبه الجمهور للمعاني والمضامين السياسية في المحتوى الفني، الذي اكتسب أهميته الشعبية من التوابل الحريفة التي أعطت له خصوصية ومذاقاً مختلفاً، وحققت الجاذبية المنشودة في شباك التذاكر، فقد وجد كُتاب السيناريو ضالتهم في القضية الشائكة ذات الأبعاد المتعددة، ومن ثم تفرغوا لتدبيج الروايات والقصص التراجيدية والحبكات الدرامية، وبذلوا جهوداً مضنية في استثمار حالة التصادم بين الجهات الأمنية والجماعات المسلحة المناهضة لأنظمة الحكم في المراحل الحرجة إبان فترتي الثمانينيات والتسعينيات، وهي فترات الذروة في المواجهة القاسية والصعبة بين الطرفين.
وعلى خلفية الاهتمام الإعلامي والجماهيري بقضية الإرهاب كظاهرة مخيفة تهدد أمن الوطن والمواطنين، ظهرت بوادر الإسهام السينمائي متمثلة في فيلم «انفجار» للمخرج سعيد مرزوق أوائل عام 1990، ويرصد فيه المخرج دور المنظمات الدولية في تغذية العنف والوقيعة بين الجهات الأمنية والجماعات المتطرفة، ويشير إلى وسائل تمويل العمليات الإرهابية، وكيفية الوصول للعناصر المستهدفة، ويعد الفيلم واحداً من التجارب الفنية الناضجة إلى حد كبير، حيث ناقش الظاهرة أو القضية من جوانب مختلفة بشكل يقترب كثيراً من الموضوعية، ولما كان الفيلم يمثل بداية موجة سينمائية جديدة، حقق نسبة ربح مشجعة ففتح الباب أمام تجارب من النوع نفسه، ولكنها لم تكن على المستوى نفسه من الإقناع الفني مثل فيلم «الخطر» للمخرج عبد اللطيف زكي، بطولة كمال الشناوي ومعالي زايد.
ظل ملف الإرهاب في السينما مُغلقا لنحو أربع سنوات، إلى أن وقع حادث اغتيال الكاتب فرج فودة، فعادت الظاهرة تطفو مجدداً على السطح.
وبسبب تراجع الظاهرة وهبوط الفيلم جماهيرياً ظل ملف الإرهاب في السينما مُغلقا لنحو أربع سنوات، إلى أن وقع حادث اغتيال الكاتب فرج فودة، فعادت الظاهرة تطفو مجدداً على السطح، وكان من نتائج طفوها إنتاج فيلم «الإرهابي» للكاتب لينين الرملي والمخرج نادر جلال، وعلى الرغم من جماهيرية عادل إمام الكبيرة لم ينجح الفيلم النجاح المأمول، فثمة افتعال في الأداء والتمثيل، ونقاط ضعف في السيناريو حالت دون إقناع الجمهور بالحدوتة، ولكن لم تلتزم السينما المصرية الصمت إزاء موجات العنف المتصاعدة، فعملت ماكينة الإنتاج السينمائي على صناعة المزيد من الأفلام، برؤى مغايرة لتحقيق التوازن في عملية التناول ما بين القوتين المتصارعتين، في محاولة ذكية للوقوف على الحياد لكسب التأييد الشعبي والتعامل بمنطقية مع القضية الكبرى.
وفي هذا الإطار ظهرت أفلام عديدة تطرح الرأي والرأي الآخر، من بينها فيلم «الناجون من النار» الذي يُظهر تنامي التيار المتطرف داخل الجامعات المصرية، وتفاقم الظاهرة كرد فعل للظروف الاجتماعية وحالة التضييق السياسي، حسب سياق الأحداث، كما اختص هذا الفيلم برصد حالات الاغتيال التي أصبحت نهجاً متبعاً في منتصف التسعينيات، وقد تميز الفيلم بتميز الرؤية الإخراجية لعلي عبد الخالق الذي أثبت تفوقاً ملحوظاً في التعبير عن جُل المأساة في كافة مراميها وأبعادها.
وتشكلت موجة العنف والإرهاب فصارت خطاً قياسياً لأفلام الحركة واختلط فيها العنف الجماعي بعنف الأفراد، وتولدت من حركات النشاط والمقاومة أطروحات أخذت الشكل التنويري باعتبارها معالجات تنويرية أكثر منها رصدا للأحداث والحوادث الناجمة عن تفشي الجهل، وبهذا تغير المفهوم السينمائي تغيراً نسبياً، أو بالأحرى حدث نوع من التحايل على المعنى، بظهور أفلام أخذت الطابع التثقيفي كالمصير والآخر، ثم ما لبثت الحالة نفسها أن تحولت إلى حالة من البحث الاجتماعي في الظروف والنشأة ودور التعليم والبيئة إلى آخره، وهو ما لمسناه في أفلام مثل «دم الغزال» و«حين ميسرة» وغيرها، ثم تطورت الصورة الدرامية تطورها غير الطبيعي، فتحولت من معالجات مهمة في أفلام نختلف ونتفق عليها إلى ماده كوميدية ساخرة هي أقرب إلى الهزل منها إلى الكوميديا، كما هو الحال في أفلام مثل «دعدوش» و«القرموطي في خط النار»، تلك التي تسفه القضية وتتاجر بها كمادة مضمونة الرواج بين الصبية والمراهقين، وهو خلل استراتيجي في حسابات السينما، التي بدأت معركتها ولم تنهها بالشكل اللائق، حيث خانتها الظروف والقدرات والتقديرات، فألقت بالكرة في مرمى صُناع الكوميديا الرخيصة فخسرت القضية وخسرت الجمهور.
٭ كاتب مصري