بعد 14 عاماً وبحضور رئيس الكنيست: نواب يمينيون يطالبون بـ«العودة» إلى شمال «السامرة»!
عشرة نواب وصلوا الأسبوع الماضي إلى موقع بلدة حومش في شمال السامرة، التي أخليت قبل 14 سنة في فك الارتباط. حومش، وثلاث بلدات أخرى (سانور، غنيم، وغديم)، تعد حتى اليوم لغزاً غريباً: بخلاف الجبهة الجنوبية، بقيت شمال السامرة المنطقة ج. الجيش الإسرائيلي لا يزال هناك، والمنازل وحدها هي التي هدمت.
الآن، يطلب النواب مرة أخرى إلغاء قانون فك الارتباط عن شمالي السامرة، لأجل إعادة حرية الحركة في المنطقة إلى الإسرائيليين. اتحاد أحزاب اليمين أدرج هذا البند عالياً في قائمة مطالبه من نتنياهو. وعلى الأقل في جبهة النواب في الليكود، يجد هذا المطلب باباً مفتوحاً على مصراعيه. نحو 20 نائباً من الحزب الحاكم يؤيدونه. وصل إلى حومش ثمانية منهم، وعلى رأسهم رئيس الكنيست يولي ادلشتاين، والمضيف هو يوسي داغان، رئيس المجلس الإقليمي في السامرة، الذي هو نفسه طرد من سانور في 2005؛ أحد الأشخاص الأقوياء في مركز الليكود.
نهل المياه من الخزان الجوفي
في الولاية السابقة كان نتنياهو يؤيد ظاهراً هذا المطلب، ولكنه فعل ذلك للحظة فقط. بعدها تراجع وشرح بأنه مطلوب تنسيق مع الرئيس أوباما. أما الآن فنحن في عهد ترامب. ونتنياهو لا يزال يواصل قول «لا» لإلغاء قانون فك الارتباط عن شمال السامرة. ويستخلص تقويم واع للوضع لدى لوبي «يشع» (المناطق) في الكنيست من هذا الرفض استنتاجاً بعيد الأثر: في إطار صفقة القرن، التي ستنشر بعد عيد الأسابيع، وإن كان نتنياهو سيقف خلف وعده هل يخلي أي مستوطنة بل وأن يعمل على تنفيذ إجراءات إحلال السيادة على البلدات اليهودية في المناطق إلا أنه بالتوازي سيبدأ ما يسميه اللوبي «نهل المياه من الخزان الجوفي»، والمعنى: تسليم مناطق ج للفلسطينيين ـ مثل المناطق في شمال السامرة التي كانت أخليت في فك الارتباط، والتي هي مجال المعيشة واحتياطي الأرض للاستيطان اليهودي في المناطق. يدعم هذا الاستنتاج مواقف أخرى لرئيس الوزراء نتنياهو. ففي المفاوضات بين الليكود واتحاد أحزاب اليمين، رفض نتنياهو مطلب إلغاء قانون في السامرة، بل وعملياً كل المطالب الجوهرية لاتحاد اليمين في مسألة الاستيطان: فقد رفض التعهد ألا تكون انسحابات أخرى في المناطق، رفض تشريع قانون نسيج الحياة الذي هدفه في النهاية إنهاء التسويف من ولاياته السابقة في تسوية الاستيطان الشاب (البؤر) في المناطق. كما رفض التعهد بالعمل على قرار الحكومة لحفظ المناطق ج، في مواجهة السيطرة الفلسطينية المنهاجية في هذه المناطق.
في «بنك الأهداف» للوبي بلاد إسرائيل في الكنيست اعتبرت حومش والبلدات الثلاثة الأخرى التي أجلت في فك الارتباط في شمال السامرة هدفاً أول. في المرحلة الإولى إلغاء قانون فك الارتباط عنها، وفي المرحلة الثانية إعادة إقامة المستوطنات.
أمل العاروري
كيف نفهم كم هي سخافة فك الارتباط، ليس فقط من غزة بل ومن السامرة أيضاً، ينبغي لنا أن نعود سنوات عديدة إلى الوراء. فمنذ حرب الأيام الستة ومنذ غادر الجيش الإسرائيلي غزة في 1994، لم تسجل إلا أحداث قليلة من النار الصاروخية. فبين أوسلو وفك الارتباط كانت غوش قطيف تلقت آلاف صواريخ القسام وقذائف الهاون. منذ فك الارتباط وحتى اليوم تعرض الجنوب، بل وأحياناً وسط البلاد لعشرات آلاف قذائف الهاون، الصواريخ والمقذوفات الصاروخية التي ازداد مداها جداً. وبالمقابل، في شمال السامرة، في المجال الذي دمرت بلداته، تسير قوات الجيش الدوريات حتى اليوم وتحرص على ألا يطلق الفلسطينيون من هناك صواريخ القسام والكاتيوشا على العفولة، على الخضيرة أو على نتانيا، مثلما يطلقون من غزة على سدروت وعسقلان. هذه ليست مجرد كلمات. سبق للفلسطينيين أن جربوا. والجيش أحبطها. وسبق لمسؤول حماس، صالح العاروري، أن أعرب عن أمل علني في أن تتمكن حماس في الضفة أيضاً مثلما في غزة من إنتاج صواريخ واستخدامها.
رايس قدمت تعريفاً جديداً لـ «العجل الذهبي» أمام أنصار شارون
إن طرد السكان اليهود من شمال السامرة وهدم البلدات هناك كان أكثر من غريب وغير مفهوم من هدم وطرد سكان غوش قطيف. غيورا آيلند، الذي كان في حينه رئيس مجلس الأمن القومي، ودوف فايسغلاس الذي أدار في حينه مكتب رئيس الوزرار شارون، وقفاً في حينه على ولادة فك الارتباط. فايسغلاس ساعدها بحماسة. آيلند كان متحفظاً بأضعاف، بل ولاحقاً انتقد فك الارتباط انتقاداً شديداً. لقد روى فايسغلاس لي مرة كيف ولد فك الارتباط في شمالي السامرة أيضاً. فقد أوشك الأمريكيون على إصدار كتاب يعترفون فيه بحكم الأمر الواقع بالكتل الاستيطانية في المناطق والإعلان بأن اللاجئين لن يعودوا إلى إسرائيل. وإلى جانب ذلك طلبوا ألا ينشأ مظهر وكأن إسرائيل تضحي بغزة كي تنقذ الضفة.
واستعاد فايسغلاس الذاكرة فقال إن «الخروج من غزة لم تعتبره إدارة الرئيس بوش تضحية كبرى. فقد طالبونا بدليل على أننا جديون في الضفة أيضاً، وبالتالي فقد لمسنا رمزياً هناك أيضاً». وتذكر أيضاً حديثاً مشابهاً مع وزيرة الخارجية كونداليزا رايس. فقد أوضحت رايس لرجال شارون بالكلمات التالية: «دعوني أشرح لكم ما هو معنى الخطوة أحادية الجانب. الخطوة أحادية الجانب تتخذها حين تكون جيداً لك. ولهذا فإنك لا تتوقع أن تحصل على أي مقابل لما تفعله أنت لصالحك». وهكذا طرحت أيضاً المستوطنات الإسرائيلية في شمال السامرة: «أضحية تصعد» في السامرة إلى «عجل الذهب» لفك الارتباط عن قطيف. أما الثمار الفجة لكليهما فنحن نأكلها منذئذ كل أسبوع تقريباً.
الورود لا تزال تتفتح
في حومش نفسها، حيث رافقت النواب الأسبوع الماضي، من الصعب الانقطاع عن الذكريات الأليمة لتلك الأيام. فقد أخلت إسرائيل مواطنيها من هناك، ولكن الجيش الإسرائيلي لا يزال موجوداً، بل ومجموعة من تلاميذ مدرسة دينية برئاسة الحاخام اليشيمع كوهن تتعلم التوراة هناك كل يوم. ساحات البيوت يعلوها الشوك، ولكن الأشجار في معظمها لم تقتلع وعلى نحو شبه مدهش، تتلون الورود ولا تزال تزدهر على طريق الحدائق الخاصة التي كانت ذات مرة. على مسافة غير بعيدة من حومش، في مستوطنة شافيه شومرون تسكن عائلات المبعدين. وهي تنظر كل يوم إلى برج الماء الذي تبقى على حاله في حومش، تتطلع إلى حيث كانت بيوتهم ومكان تفطر قلوبهم. لا يزال الكثيرون منهم يزورون حومش ويجرون فيها احتفالاتهم. بعضهم مستعد لأن يترك كل شيء للمرة الثانية ويعود إلى هناك على أن يسمحوا له بذلك. يدمع يوسي داغان اليوم حين يتحدث عن إخلاء سانور. ويشعر بالذنب على بناء البيت الجديد الذي يسكن فيه اليوم. وهو يقول: أقسمنا أن نعود. حتى لو سكنا في خيمة.
نداف شرغاي
إسرائيل اليوم 24/5/2019