ترامب يقترح صفقة تعويضات مقابل استمرار الاحتلال

 

المشاركون في ورشة العمل الاقتصادية التي ستعقد في البحرين في 25 و26 حزيران القادم بالتأكيد سيندمون على أن الرئيس الأمريكي ترامب سارع كثيراً في الإعلان عنها. في الحقيقة ما الذي يجعله متسرعاً؟ لو أنه انتظر ثلاث سنوات أخرى لتمكن الضيوف على الأقل من الاستمتاع بالمكوث في فندق «شنغريلا» الذي سيفتتح في العام 2022. حسب المعطيات التي نشرتها حكومة البحرين سيكون هذا موقع استجمام فاخراً قريباً من البحر، فيلات فاخرة، برك مفتوحة ومغلقة وخدمات يمكن لشركة «شنغريلا» أن تقدمها. فندق «الفصول الأربعة» الموجود في المنامة عاصمة البحرين فاخر بما يكفي، وهناك ما يكفي من الفنادق الفاخرة التي يمكن الاستجمام فيها، وعلى أي حال الحديث يدور عن يومين. صحيح أن منظمي الورشة غير واضح لهم كم عدد الغرف التي يجب حجزها لأن قائمة المدعوين لم تغلق بعد، لكن نقدر بأنه سيكون هناك غرف كثيرة فارغة من أجل من سينضمون في اللحظة الأخيرة.
الفلسطينيون أعلنوا مسبقاً أنهم لن يشاركوا، وهناك شك إذا كان ممثلو قطر سيحضرون. تركيا التي انتقد رئيسها أردوغان الفكرة بشدة يبدو لن تتم دعوتها. ملك الأردن عبد الله يمكنه القدوم فقط من أجل إرضاء ترامب والسعودية، لكنه سيكون أكثر سروراً لو أنه يقضي هذين اليومين في مكان آخر. البحرين المستضيفة أوضحت موقفها عندما أعلن وزير خارجيتها خالد آل خليفة هذا الأسبوع بأن «الورشة تستهدف دعم الاقتصاد الفلسطيني وليس لها أي هدف آخر». ليس خطة سياسية وليس نقاش حول رسم الحدود وليس الحديث عن المواضيع الأساسية. «نؤيد الشعب الفلسطيني ونضاله لإعادة حقوقه في بلاده ودولته التي عاصمتها شرقي القدس»، أضاف الوزير. دولة الشعب الفلسطيني؟ لا توجد لترامب أي نية لأن يذكر «دولة فلسطينية». الآن يتحدثون عن الاقتصاد، والتطوير، والاستثمار وإصلاحات حكومية وإدارية في السلطة الفلسطينية، هذا ما جاء في تقارير وسائل الإعلام الأمريكية. من الذين سيستثمرون؟ كم سيستثمرون؟ ما هي أهداف الاستثمار؟ من أجل ذلك ستكون هناك ورشة. في شهر شباط نشر في «نيويورك تايمز» نبأ يقول إن النية هي تجنيد 40 مليار دولار وتوزيعها بين السلطة الفلسطينية ومصر والأردن ولبنان. في هذا الأسبوع رفعت التقارير المبلغ إلى 68 مليار دولار ستوزع على عشر سنوات، أي 7 مليارات كل سنة لكل دولة من هذه الدول.
من أجل التناسب، قطر وحدها ملتزمة بتحويل 500 مليون دولار فقط لقطاع غزة، دون صلة بأي صفقة قرن، من أجل تهدئة المواجهة بين إسرائيل وحماس. السلطة الفلسطينية تحصل من السعودية على 20 مليون دولار شهرياً، والسودان حصلت من السعودية ومن اتحاد الإمارات على تعهد بثلاثة مليارات دولار منها 320 مليون دولار حولت هذا الشهر. إعادة إعمار القطاع تقدر ببضع مليارات من الدولارات. فهل سيوافق ترامب وإسرائيل على أن جزءاً من هذه المساعدة ستصل إلى أيدي حماس أم أن الأموال خصصت فقط للسلطة الفلسطينية؟ وإذا كان الأمر هكذا، فهل سترفع الولايات المتحدة التجميد عن الـ 300 التي هي مبلغ المساعدة للضفة الغربية. وتعيد إسرائيل أموال الضرائب التي خصمتها من الأمول التي تعود للسلطة؟ أم أن واشنطن والقدس ستواصلان عقوباتهما وفي الوقت نفسه ستطلبان من الدول المانحة فتح جيوبها. يتوقع أن تشترط إسرائيل تحويل الأموال إلى الضفة بإلغاء دفع الرواتب للسجناء الأمنيين والدفعات لعائلات منفذي العمليات الانتحارية الذين قتلوا. حول هذا الموضوع يمكن أن تتحطم كل الصفقة.
من ناحية الفلسطينيين هناك أمر مبدئي مهم بدرجة أكبر. كل شيك للمساعدة دون أن يلحق به تعهد صادق بحل سياسي سيعتبر «بيعاً» للقضية الفلسطينية وخيانة للاجئين وحتى تنازل عن حلم الدولة الفلسطينية مقابل بضع مليارات من الدولارات في السنة. اقتصاديون فلسطينيون يقدرون أن فلسطين المستقلة التي يمكنها تسويق تجارتها في الدول العربية، مع قدرة على الوصول إلى الميناء الإسرائيلي الذي يمكن من خلاله تصدير إنتاجها للدول الغربية بدون قيود، ستكسب مليارات أكثر من التي ستحصل عليها السلطة في إطار الصفقة.

مساعدات لتغطية ديون

حسب بحث أجراه البنك الدولي فإن النمو في السلطة الفلسطينية يمكن أن يتضاعف ثلاثة أضعاف إذا تمت إزالة العقبات الكثيرة التي تضعها إسرائيل أمام التجارة الحرة الفلسطينية: الحواجز التي تعيق حركة البضائع وترفع تكلفة النقل، البيروقراطية الشديدة والثمينة التي تتطلب عشرات النماذج والمصادقات، فصل التجارة بين الضفة وغزة، قوائم الاستيراد المحدودة، تقليص عدد العمال الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل والاعتماد الاقتصادي المطلق على إسرائيل بصورة عامة. إلى جانب هذه الصعوبات الأساسية فإن البحث يشير إلى إدارة معيبة وفاسدة من ناحية السلطة الفلسطينية.
هل ستزيح خطة ترامب الاقتصادية هذه العقبات، أو على الأقل معظمها؟ يجب الانتظار ورؤية ذلك. ولكن إذا استمرت السيطرة المطلقة لإسرائيل على الاقتصاد الفلسطينية في الضفة والقطاع فإن المساعدات التي ستصل من مؤتمر البحرين، هذا إذا كانت هناك مساعدات، ستستخدم بالأساس لتمويل النشاطات الجارية وتسديد الديون. هذا ليس أمراً بسيطاً، لكنه ليس حلاً يمكنه أن يكون البديل عن بناء اقتصاد مستقل في مناطق السلطة الفلسطينية. صحيح أن الدول العربية تعهدت بمنح السلطة 100 مليون دولار شهرياً من أجل تغطية الفجوة التي وجدت في الميزانية الفلسطينية في أعقاب خصم أموال الضرائب ورفض السلطة تسلم الأموال المقلصة، لكن هذا الالتزام بقي على الورق حتى الآن، لذلك يمكن الشك بأن التعهد بالمليارات لن يصل إلى البنوك الفلسطينية بالوتيرة وبالكمية المطلوبة.
مصدر تمويل آخر يمكن أن يكون هو الاتحاد الأوروبي، لكن هناك فرق بين التمويل الجاري من بروكسل الذي بلغ في العام 2017، 359 يورو، وإضافة 42 مليون يوروا في 2018، وبين استثمار المليارات لصالح نمو الاقتصاد الفلسطيني. الاتحاد لن يسارع إلى فتح المحفظة من أجل خطة مشكوك فيها ولا تقترح إقامة دولة فلسطينية، ليس بسبب غياب خطة اقتصادية مفصلة ومقبولة فقط، بل بالأساس لأن من يقترح الصفقة هو ترامب.

دبلوماسي أوروبي: ليس بأقل من موافقة إسرائيلية وضمانات أمريكية لدولة فلسطينية

الرئيس حبس الاتحاد في عقدة الاتفاق النووي مع إيران، الذي انسحب منه قبل سنة، وهو يحاول تجنيد الاتحاد للانضمام إلى فرض العقوبات على طهران، خلافاً للموقف السياسي للدول التي وقعت على الاتفاق. هو لا يمكنه أن يأمل بأنه في الموضوع الفلسطيني سيجد أذناً مصغية ويداً سخية في بروكسل. الاتحاد الأوروبي يتمسك بحل الدولتين، وفي أفضل الحالات سيفحص بشكل إيجابي إمكانية الانضمام إلى الفصل الاقتصادي الذي يقترحه ترامب فقط إذا تم تحديد الأهداف النهائية التي تشمل بشكل صريح «دولة فلسطينية». دبلوماسي أوروبي قال هذا الأسبوع للصحيفة بأنه «بدون التزام إسرائيل بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية، وبدون ضمانات أمريكية بأن إسرائيل ستفي بالتزامها، فإن الاتحاد سيواصل تأييد السلطة الفلسطينية بالحجم الحالي ولكن ليس أبعد من ذلك. وبشكل عام لماذا لا تشارك الولايات المتحدة نفسها في تمويل المشروع الذي تقترحه؟».
إذا كانت هذه الأقوال تعكس موقف الاتحاد فلا حاجة إلى حبس الأنفاس قبل نتائج مؤتمر البحرين. كل قرار اقتصادي سيتخذ فيه سيكون خاضعاً لاستعداد إسرائيل لتبني قناة سياسية قابلة للحياة، أو على الأقل الموافقة على تنازلها عن مكبس السيطرة الذي تستخدمه ضد السلطة. هذا الاستعداد سيكون مرتبطاً بتشكيل الحكومة التي سينجح بنيامين نتنياهو في تشكيلها وبوزن الضغط السياسي الذي سيستخدم عليه في الموضوع الفلسطيني في الشهر الذي بقي له حتى موعد عقد المؤتمر، وبالطبع بعده.
يبدو أن المؤتمر ولد في الشهر الخامس للنقاش الذي استمر لسنتين بدون استعداد حقيقي واستراتيجية تؤدي إلى الحل السياسي، رغم آلاف الكلمات التي قالها مستشارو الرئيس من أجل الاستماع والتشاور مع زعماء الدول العربية وإسرائيل.
إذا كان الأمر كذلك، فمن المسموح التساؤل ما الذي سيكسبه الفلسطينيون من رفض المشاركة في المؤتمر أو رفض ثماره الاقتصادية، إذا كانت هناك ثمار كهذه. ادعاء رجال أعمال فلسطينيين بأن مؤتمر البحرين سيخلد الاحتلال وسيخدم إسرائيل ادعاء له أساس. ولكن المعادلة الفلسطينية التي تقول إنه يجب الاعتراف أولاً بحق الفلسطينيين في إدولة قبل الحديث عن وجودها الاقتصادي، يمكنها أن تحبسهم في شرك لن تكون فيه لهم دولة ولا اقتصاد قابل للحياة. الافتراض أن حكومات يمينية بكل الأنواع ستواصل الحكم في إسرائيل في السنوات القريبة القادمة، وأن ترامب سيفوز في الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة، فإن حلم الدولة الفلسطينية المستقلة سيبقى مجرد حلم. إذا حدثت معجزة والمصالحة بين حماس وفتح تحولت إلى واقع، فإن احتمال إقامة دولة مستقلة سيبتعد أكثر بسبب معارضة حماس للاعتراف بدولة إسرائيل. في هذه الأثناء يمكن للحكومة الفلسطينية أن تستفيد من بضع مليارات في السنة من أجل أن تبني لنفسها بنية اقتصادية أساسية يمكنها تحسين مستوى الحياة والمساعدة في حالة قيام الدولة.
صحيح أن الاحتلال لن ينتهي والمستوطنات لن يتم تدميرها والاعتقالات وهدم المنازل وسرقة الأراضي لن تتوقف، لكن بالنسبة للخمسة ملايين فلسطيني الذين يعيشون تحت الاحتلال، يمكن أن يكونوا أكثر راحة بقليل. يمكننا تذكير الفلسطينيين بأن حكومة إسرائيل أيضاً، رغم الصعوبات الأساسية والمعضلات الأخلاقية، قررت تسلم التعويضات من ألمانيا، التي ساعدتها كثيراً في بناء الدولة.

تسفي برئيل
هآرتس 24/5/2019

قد يعجبك ايضا